في عالم اليوم الذي تزداد فيه التحديات الاقتصادية والجيوسياسية، تبرز العلاقات الدولية كعامل حاسم لبناء مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة، وفي هذا السياق، تشكل الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمملكة العربية السعودية نموذجاً للتعاون الدولي الناجح.
فمنذ القدم، كانت القوافل التجارية تجوب الصحاري والبحار، حاملة معها الحرير والتوابل والمعرفة، مما ساهم في بناء جسور ثقافية بين الشرق الأوسط وآسيا، واليوم، ومع إعادة إحياء هذا الإرث عبر مبادرة «الحزام والطريق» ورؤية السعودية 2030، يُعاد رسم ملامح هذه العلاقات بأبعاد حديثة تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والمشاريع الطموحة.
ومن جديد، أكد تقرير حديث صادر عن الصين أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمملكة العربية السعودية، مسلطاً الضوء على التكامل بين مبادرة «الحزام والطريق» ورؤية السعودية 2030، ووفقاً للتقرير المنشور في صحيفة «فوجيان ديلي» الصينية، فإن هذه الشراكة تهدف إلى بناء مستقبل مشترك للبشرية، وأشار التقرير إلى التزام الصين بالتعاون مع جميع القوى التقدمية في العالم.
تحدث التقرير عن تنامي الروابط الأكاديمية والصناعية بين البلدين، حيث تخرج 22 طالباً سعودياً من «جامعة شيامن» في مقاطعة فوجيان، وقد انخرط العديد من هؤلاء الخريجين في قطاع الصناعة الكيميائية، وعاد بعضهم للعمل في فوجيان، مما عزز العلاقات الثنائية.
في ديسمبر 2022، وقّعت شركة «سينوبك» الصينية اتفاقية مع شركة «أرامكو» السعودية، وذلك خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى المملكة، تهدف الاتفاقية إلى تطوير المرحلة الثانية من مشروع التكرير والبتروكيماويات في غولي، الذي يُعتبر ركيزة جديدة للتعاون في قطاع الطاقة بين البلدين.
اقرأ أيضاً: معرض دفاعي عالمي بالرياض والصين في المقدمة
وأشار التقرير إلى بدء العمل في مشروع الإيثيلين المشترك في فبراير 2024، باستثمار إجمالي يبلغ 44.8 مليار يوان (ما يعادل 6.14 مليار دولار)، ومن المتوقع أن يُستكمل المشروع بحلول عام 2026، ليكون أول شراكة استثمارية مباشرة بين شركة محلية إقليمية وشركة عالمية في قطاع البتروكيماويات.
كما شهد مايو 2024 إطلاق قناة النقل المتعدد الوسائط بين نانتشانغ وشيامن والسعودية ضمن مبادرة «طريق الحرير البحري»، وتهدف هذه القناة إلى نقل منتجات مشروع التكرير والبتروكيماويات إلى الأسواق العالمية، مما يعكس إرثاً من التعاون يمتد لآلاف السنين.
وأوضح التقرير أن «طريق الحرير» شكّل رابطاً حضارياً وتجارياً بين الصين والدول العربية على مدى مئات السنين، وكانت فوجيان نقطة انطلاق مركزية لهذا الطريق، واليوم، تواصل مبادرة «الحزام والطريق» إحياء هذا الإرث من خلال مشاريع استراتيجية تعزز التعاون بين الصين والسعودية.
وفي نوفمبر 2024، أُطلقت المرحلة الثانية من مشروع مجمع التكرير والبتروكيماويات في غولي، باستثمار إجمالي بلغ 71.1 مليار يوان (9.74 مليار دولار)، ليصبح أكبر مشروع صناعي في تاريخ مقاطعة فوجيان، فيما يهدف المشروع إلى معالجة نقص الموارد النفطية وتعزيز سلسلة التوريد الكاملة، مما يضمن تطور قطاع البتروكيماويات.
اقرأ أيضاً: الصين تسعى لتعزيز علاقاتها مع السعودية عبر هذه الخطوة
وذكر التقرير أن المشروع يعتمد على تقنيات دولية متقدمة، مثل تقنية المعالجة الهيدروجينية لشركة «سينوبك»، لتحقيق الاستقلالية التقنية وزيادة الكفاءة الإنتاجية، ومن المتوقع أن تصبح فوجيان مركزاً رئيسياً لصناعة البتروكيماويات بطاقة إنتاجية تبلغ 3.8 مليون طن من الإيثيلين سنوياً، مما يعزز مكانتها كمحور للتعاون الصناعي بين البلدين.
وأشار التقرير إلى أن العلاقات الأكاديمية بين البلدين تعود إلى التسعينيات، عندما أرسلت السعودية أول دفعة من الطلاب المبتعثين إلى الصين. استقبلت «جامعة شيامن» في عام 1998 طلاباً مبتعثين من «أرامكو»، مما أسهم في تأسيس قاعدة متينة للتعاون الأكاديمي والثقافي بين الجانبين.
هذا وخلص التقرير إلى أن ميناء غولي يعكس روح التعاون بين الصين والسعودية، متجاوزاً الحدود الجغرافية، مؤكداً أن استمرار المبادرات المشتركة، والتكامل بين «الحزام والطريق» ورؤية السعودية 2030، يشكلان رمزاً لعصر جديد من الشراكة الاستراتيجية، ويعكسان التزام البلدين ببناء مستقبل مشترك مزدهر.
اقرا أيضاً: فتح باب الابتعاث لدراسة الماجستير في اللغة الصينية