في مرحلة دقيقة تمرّ بها المنطقة، حيث تتشابك الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، تواصل العلاقات السعودية التركية تقدمها وانفتاحها نحو مسارات أكثر عمقاً وتنظيماً. ويأتي الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي – التركي في العاصمة الرياض تتويجاً لهذا التوجه، ليؤكد التزام البلدين بإرساء أسس تعاون مؤسسي شامل، يستند إلى المصالح المشتركة والرؤية الاستراتيجية طويلة المدى.
العلاقات السعودية التركية: دفعة جديدة
استقبل وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، نظيره التركي هاكان فيدان، في مقر وزارة الخارجية بالرياض، حيث بحث الطرفان سبل تطوير الشراكة بين المملكة وتركيا في مجالات متعددة، لا سيّما في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة. وعقد اللقاء، الذي جاء تتويجاً لعلاقات تشهد زخماً متزايداً، في إطار المجلس التنسيقي السعودي – التركي، الذي يعد منصة مؤسسية للتشاور والتعاون بين البلدين.
المجلس التنسيقي: خارطة طريق جديدة للتعاون الثنائي
عقب الاستقبال الرسمي، ترأّس الوزيران الاجتماع الثاني للمجلس التنسيقي المشترك، وهو كيان أُنشئ عام 2016 بهدف تنظيم العلاقات الثنائية ومتابعتها بشكل مؤسسي. وقد تناول الاجتماع آليات تعميق التعاون، وتكثيف التنسيق في مختلف القطاعات، بما يخدم المصالح الاستراتيجية لكل من الرياض وأنقرة.
وقد تُوّج الاجتماع بالتوقيع على محضر الدورة الثانية للمجلس، بما يعكس التفاهم المتبادل والرغبة في الانتقال بالعلاقات إلى آفاق أكثر شمولاً وفعالية.
توقيع مذكرة تفاهم

في خطوة تؤكد على أهمية الاستثمار في الكوادر البشرية والدبلوماسية، تم توقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية في السعودية والأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية التركية. وتضمنت المذكرة مجالات التعاون في التدريب، وتبادل الخبرات، وتطوير الكفاءات الدبلوماسية بين الجانبين.
ووقع الاتفاقية كل من نائب وزير الخارجية السعودي المهندس وليد الخريجي ونائب وزير الخارجية التركي الدكتور نوح يلماز nuh-yilmaz، بحضور عدد من كبار المسؤولين من الجانبين.
اقرأ أيضاً: الرياض وأنقرة تبحثان تعزيز التعاون الدفاعي
حضور رسمي موسّع يعكس تنوع مجالات التعاون
ضمّ الوفد السعودي المشارك في الاجتماع مسؤولين رفيعي المستوى، من بينهم المهندس طلال العتيبي مساعد وزير الدفاع، والمهندس راكان الطوق مساعد وزير الثقافة، والدكتور عبد الله أبو ثنين نائب وزير الموارد البشرية، والمهندس إبراهيم المبارك مساعد وزير الاستثمار، إلى جانب السفير السعودي لدى أنقرة فهد أبو النصر، والأمين العام لمجلس التنسيق المهندس فهد الحارثي.
وهذا التمثيل الواسع يعكس مدى اتساع رقعة التعاون الثنائي، التي تشمل ملفات أمنية، وثقافية، واستثمارية، وتنموية.
المجلس التنسيقي: منصة متعددة المسارات
يُذكر أن المجلس التنسيقي السعودي – التركي يضم خمس لجان فرعية، تغطي مجالات الدبلوماسية والسياسة، والأمن والدفاع، والثقافة والإعلام والسياحة، إلى جانب ملفات التنمية الاجتماعية والصحة والتعليم، والاقتصاد والاستثمار والبنية التحتية والطاقة. وقد عُقد الاجتماع الأول للمجلس في فبراير 2017 في العاصمة التركية أنقرة.
محطات بارزة في تطور العلاقات السعودية التركية
شهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا تحولات ملحوظة خلال العقدين الماضيين، تخللتها فترات من التقارب وأخرى من التباعد، إلا أن السنوات الأخيرة حملت مؤشرات إيجابية على استعادة الزخم في التعاون الثنائي. في عام 2016، تم تأسيس مجلس التنسيق السعودي التركي خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى أنقرة، بهدف تعزيز التعاون في مختلف المجالات.
وفي أعقاب توترات دبلوماسية، شهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً بدءاً من عام 2021، حيث تبادل الجانبان الزيارات رفيعة المستوى، كان أبرزها زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض في أبريل 2022، تلتها زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أنقرة في يونيو من العام ذاته. وقد أسهمت هذه الزيارات في إعادة تفعيل الاتفاقيات الموقعة سابقاً، لا سيما في مجالات الدفاع والاستثمار.
اقتصادياً، شهد التبادل التجاري بين البلدين نمواً ملحوظاً، حيث بلغ حجمه 6.5 مليارات دولار في عام 2022، مع تطلعات لزيادته إلى 10 مليارات دولار على المدى القصير و30 مليار دولار على المدى الطويل. كما تم توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات متعددة، بما في ذلك التطوير العقاري والصناعات الدفاعية.
نحو شراكة مستدامة بين الرياض وأنقرة
أخيراً، يأتي انعقاد هذا الاجتماع في ظل تقارب متسارع بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، مدفوعاً بإرادة سياسية عليا لدى القيادتين السعودية والتركية، ومصالح مشتركة في أمن المنطقة واستقرارها، إضافة إلى رغبة واضحة في تجاوز التحديات السابقة وبناء مستقبل قائم على التكامل وليس التنافس.