بينما يتجه الاقتصاد السعودي نحو مزيد من التنوّع والنمو غير النفطي، يظهر القطاع الخاص كأحد الركائز الأساسية في تحقيق هذا التحول، ففي وقت يشهد فيه العالم تقلبات اقتصادية، يواصل هذا القطاع تأكيد قدرته على التكيف والازدهار، مدفوعاً باستراتيجيات اقتصادية واضحة وابتكارات تساهم في تعزيز استدامته… ما الجديد في هذا الأمر؟
شهد القطاع الخاص غير النفطي في السعودية توسعاً مستمراً للشهر الثالث على التوالي في تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري 2024، مدعوماً بزيادة ملحوظة في الطلبات الجديدة إلى مستويات مرتفعة لم تُسجّل منذ آذار/مارس، ما أدى إلى ارتفاع كبير في المبيعات وتوسيع النشاط التجاري بوضوح.
وقد سجل مؤشر مديري المشتريات، الصادر عن «بنك الرياض»، ارتفاعاً من 56.3 نقطة في أيلول/سبتمبر إلى 56.9 نقطة في أكتوبر، مشيراً إلى تحسن ملموس في ظروف التشغيل والنشاط الاقتصادي.
وأرجعت الشركات النمو القوي في حجم المبيعات إلى ارتفاع الطلب من العملاء وتحسن البيئة الاقتصادية، وأظهرت تفاؤلاً ملحوظاً بشأن النشاط المستقبلي، مدفوعةً بالزيادة في نشاطها التجاري.
كما شهدت وتيرة شراء مستلزمات الإنتاج تسارعاً بعد انخفاضها إلى أدنى مستوى لها منذ 3 سنوات في سبتمبر، بالرغم من أنها ظلت أقل من المستويات المسجلة في بداية العام، ما أفاد الشركات بتوفير مخزون كافٍ.
اقرا أيضاً: أرامكو السعودية رائدة الاقتصاد السعودي
في الوقت نفسه، صاحبَ النمو تحمّل القطاع لضغوط التكلفة في المواد والموظفين، ما أدى إلى أول ارتفاع في أسعار المنتجات والخدمات منذ 4 أشهر، وفي حديثه حول ذلك، أوضح الدكتور نايف الغيث، الخبير الاقتصادي الأول في «بنك الرياض»، أن الانتعاش الملحوظ في الاقتصاد جاء نتيجة نمو قوي في المبيعات، ما دعم توسع النشاط التجاري في مجالات التوظيف والمشتريات والمخزون.
وأشار الغيث إلى أن زيادة الطلبات الجديدة في أكتوبر تتماشى مع التركيز الاستراتيجي لـ«رؤية 2030» على الابتكار وتطوير البنية التحتية، حيث أفادت أكثر من 40% من شركات شملتها دراسة مرتبطة بالأمر، بزيادة الطلب نتيجة استراتيجيات التسويق الفعّالة واستثمارات البنية التحتية المستمرة، ما يبرز مرونة الاقتصاد السعودي ويعزز موقعه كأحد أبرز الاقتصادات غير النفطية في المنطقة.
وأكد الغيث أن التحسن الاقتصادي يتماشى مع النمو في الناتج المحلي غير النفطي الذي وصل إلى 4.2% خلال الربع الثالث، في إطار جهود السعودية لتنويع مصادر الدخل وتعزيز استدامة الاقتصاد استعداداً للتحديات المستقبلية.
كما توقع الغيث أن تتجاوز مساهمة القطاع غير النفطي 52% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يحقق نمواً يزيد عن 4% خلال العام الجاري، مشيراً إلى أن مكاسب القطاع تأتي بدعم من المبادرات الحكومية وتزايد مشاركة القطاع الخاص بما يتوافق مع مشاريع «رؤية 2030».
اقرا أيضاً: عدد هائل من التشريعات السعودية.. كيف دعمت قطاع الأعمال؟
وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، نجحت المملكة العربية السعودية في إصدار وتطوير أكثر من 110 تشريعات، مما ساهم في تعزيز الثقة في بيئتها التجارية وتسهيل الإجراءات المتعلقة ببدء الأعمال التجارية للقطاع الخاص، فهذه الإصلاحات القانونية كان لها دور بارز في تحقيق المملكة المرتبة الرابعة عالمياً في مؤشر «دعم التشريعات لإنشاء الشركات»، كما أسهمت في تحفيز الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بـ«رؤية 2030»، وزيادة التزام الشركات بقواعد السوق.
وحسب تقرير حديث صادر عن وزارة التجارة السعودية، شهدت المؤسسات نمواً ملحوظاً بنسبة 25%، حيث بلغ إجمالي السجلات التجارية 1.18 مليون سجل، كما زادت الشركات ذات المسؤولية المحدودة بنسبة 108% لتصل إلى 119 ألف سجل، فيما ارتفع عدد الشركات المساهمة بنسبة 30% ليبلغ 3 آلاف سجل.
هذا ويلعب القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية دوراً مهماً في توفير فرص العمل للشباب والفتيات، خاصة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، في وقت تهدف فيه رؤية 2030 إلى خلق فرص عمل جديدة في مجالات متعددة مثل السياحة، والصناعة، والتكنولوجيا.
وفي هذا السياق، تقدم الحكومة السعودية عدداً من المبادرات والبرامج لتعزيز مهارات الشباب وتأهيلهم لسوق العمل، ومن أبرز هذه المبادرات «مبادرة العمل المرن»، التي تتيح لأرباب العمل التعاقد مع الباحثين عن وظائف بنظام مرن، حيث يتم تحديد الأجر وفقاً للساعة، دون الحاجة إلى الالتزام بالإجازات المدفوعة أو مكافآت نهاية الخدمة.
وكذلك، يوفر برنامج «دروب» منصة تدريب إلكترونية وطنية، وهو جزء من مبادرات صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف»، التي تهدف إلى تطوير المهارات الوظيفية للقوى العاملة الوطنية، وتعزيز فرصهم في العثور على الوظيفة المناسبة.
اقرأ أيضاً: واقع ومستقبل توظيف الشباب السعودي في القطاع الخاص