في عام 1932 وتحديداً في 23 أيلول، كان العالم على موعد مع ولادة مملكة ستكون لها بصمتها الحضارية المميزة وإنجازاتها التي تتسع يوماً بعد يوم لتشمل مختلف الميادين، ففي هذا اليوم أصدر الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مرسوماً ملكياً يقضي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية.
ومع كل عام يمضي يستذكر السعوديون في ذكرى اليوم الوطني للمملكة وبقلوب ملؤها الفخر والامتنان إنجازات الملك الراحل وتأسيسه للنهضة التي تشهدها المملكة اليوم على كافة الأصعدة، وفيما يلي نلقي الضوء على أهم المحطات في حياة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، والجهود التي قام بها لتوحيد الممكلة.
ولد الملك عبدالعزيز في مدينة الرياض عام 1876م، والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، تتلمذ على يد الشيخ القاضي عبدالله الخرجي أحد علماء الرياض، رافق والده في رحلته إلى البـــادية بعد الرحــيل من الرياض، ليستقر مع عائلته في الكويت وهو ابن الثانية عشرة من عمره، وبقي فيها عشر سنوات تلقى خلالها علوم القرآن الكريم والسياسة وإدارة المعارك.
جرأة وشجاعة وصلابة تمتع بها الملك الراحل في صباه دفعته للانطلاق وهو ابن 26 عاماً على رأس حملة عسكرية اتجاه الرياض التي كانت تآكلها الفوضى، واستطاع استعادة المدينة والتأسيس لعهد جديد، بعد أن تنازل له والده عن الحكم والإمامة في اجتماع حافل بالمسجد الكبير بالرياض بعد صلاة الجمعة.
استعادة الرياض كانت بداية رحلة الملك الراحل نحو توحيد أجزاء البلاد، فقاد معارك عديدة تمكن في نهايتها من إلى توحيد مناطق نجد والوشم وسدير والقصيم وضمها إلى بوتقة الدولة السعودية الحديثة، ليصدر مرسوماً ملكياً في 23 أيلول 1932 بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة في اسم واحد هو المملكة العربية السعودية، على أن يكون هذا اليوم هو اليوم الوطني للمملكة.، وتم اختيار شعار الدولة الحالي “سيفان متقاطعان بينهما نخلة” أما العلم فأصبح لونه أخضر مستطيل الشكل تتوسطه شهادة التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله” باللون الأبيض وتحتها سيف باللون الأبيض.
توحيد المملكة فرض على الملك عبد العزيز الكثير من التحديات لجهة بناء نظام متكامل قادر على إدارة البلاد واستثمار مقدراتها بالشكل الأمثل، خصوصاً لجهة النهضة العلمية والاقتصادية، والدفع بالمملكة قدماً على أساس من التحديث والتطوير المعاصر، إذ وزع المسؤوليات في الدولة وأسس حكومة منطقة الحجاز بعد ضمها، وأنشأ عدداً من الوزارات، كما أقامت الدولة علاقات دبلوماسية وفق التمثيل السياسي الدولي المتعارف عليه رسمياً، وتم تعيين السفراء والقناصل والمفوضين والوزراء لهذه الغاية.
ولأن الملك الراحل يدرك أن كافة الجهود التي يبذلها لن تؤتي ثمارها إن لم ينهض بقطاع التعليم في المملكة، أولى اهتماماً خاصاً بحركات الوعـــظ والإرشاد والتعليم، وأسس مديرية المعارف لتتـولى الإشراف على التربية والتعليم، ودعم فح المدارس والمعاهد وإرسال البعثات التعليمية إلى الخارج، كما شجع طباعة الكتب خاصة الكتب العربية والإسلامية. كما اهتم بنشر العلم والثقــافة على أسس إسلامية راسخة، وحارب الجـــهل بين الحاضرة والبادية، واهتم بالدعوة الإسلامية ومحاربة البدع والخرافات، وأنشأ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزودها بالإمكانات والصلاحيات.
اقرأ أيضاً: يوم التأسيس السعودي.. رمزٌ للعمق التاريخي والهوية الوطنية
وفي عام 1938 استخرج النفط بكميات تجارية في المنطقة الشرقية، الأمر الذي أسهم في ازدياد الثروة النقدية التي أسهمت في تطوير المملكة وتقدمها وازدهارها، واشترت الدولة الآلات الزراعية ووزعتها على الفلاحين للنهوض بالزراعة، وتم تعبيد الطرق البرية، ومد خط حديدي يربط الرياض بالدمام، وربط البلاد بشبكة من المواصلات السلكية واللاسلكية، ووضع نواة الطيران المدني بإنشاء الخطوط الجوية العربية السعودية عام 1945م، ومد خط أنابيب النفط من الخليج إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى إنشاء المشافي والمراكز الصحية على امتداد الممكلة.
وفي خضم النهضة التي قادها الملك عبد العزيز لم ينسى إيلاء حجاج بيت الله الحرام الاهتمام اللازم، إذ أمر بتوسعة الحـــرم النبوي الشــريف ووضع نظاماً للحجاج وأشرف بنفســـه على تنفيذه ليضمن أمن وسلامة وراحة الحجاج، كما فرض عقوبات صارمة بحق كل من يقوم باستغلالهم.
الملك الذي سعى بكل ما أوتي من علم وحكمة لإرساء قواعد نهضة المملكة، أدرك أهمية إبداء أعلى درجات الإخاء والتضامن مع الدول العربية والإسلامية، فكان أول مؤتمر إسلامي عام في تاريخ الإسلام دعا إليه الملك عبدالعزيز عام 1345هـ وحضرته وفود من الدول الإسلامية.
اليوم ومع الذكرى 94 لتأسيس المملكة العربية السعودية، ترنو عيون السعوديين إلى المستقبل الواعد الذي يسعون لتحقيقه وإغنائه بالإنجازات الحضارية، لكنهم في الوقت ذاته يستذكرون الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي وحد السعودية وبدل خوفها أمناً، وجهلها علماً، وفقرها رخاءً وازدهاراً.
اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود؟