علق الرسام ريشته، بهذه العبارة أحب جمهور كرة القدم أن يودع أسطورة كرة القدم الإسبانية أندريس انيستا، الذي قرر اعتزال كرة القدم الاحترافية عن عمر 40 عاماً، بعد مسيرةً مليئة بالألقاب والإنجازات إن كان مع برشلونة ناديه الأم، أو مع الأندية الأخرى التي لعب لها بعد خروجه من النادي الكتلوني في نهاية موسم 2018، أنيستا رسم لوحات جميلة جداً مع برشلونة إطارها كرة القدم، ثلاثيته مع تشافي هيرنانديز وسيرخيو وبوسكيتس في وسط ملعب الفريق وهو رأس مثلث الثلاثي، ذلك المثلث الذي أي لاعب يريد الدخول لمساحته ويريد استخلاص الكرة منهم، يرسل للمجهول كمن دخل مثلث برمودا الغامض، سيطرة مطلقة، باكتساح فني كبير جداً في تلك الحقبة المميزة للفريق الكتلوني.
وردة السير أليكس فيرغوسون التي ذبلت في جيب قميصه في ملعب ويمبلي من شدة الإنتظار يمكنها حتى هذه اللحظة أن تقرأ لكل الجيل الجديد من متابعي كرة القدم، مدة الإنتظار التي حلت على السير أليكس فيرغسون “مدرب مانشستر يونايتد سابقاً” وهو يحاول أن يستخلص الكرة من الثلاثي تشافي، انيستا، بوسكتس. حتى لاعبو مانشستر سونايتد بعد اللقاء صرحوا أن الثلاثي البرشلوني جعل المهمة مستحيلة عليهم، علماً أن جيل مانشستر يونايتد بوقتها، كان يضم أسماء تاريخية مثل واين روني، رايان غيغز، النفاثة بارك جي سونغ، وغيرهم من النجوم الذين صنعوا تاريخ كبير مع مع أحمر مانشستر، اليونايتد.
انيستا كان معروفاً بمهارته الفائقة في التحكم بالكرة تحت الضغط، إذ كان بإمكانه المراوغة والخروج من المواقف الصعبة بفضل خفة حركته وتحكمه الدقيق. قدرته على حماية الكرة جعلته لاعبًا يصعب استخلاص الكرة منه، وكان يتمتع برؤية استثنائية للميدان، مما سمح له بتنفيذ تمريرات دقيقة واختراق خطوط دفاع الخصوم، من أبرز سمات إنييستا الفنية هي قدرته على التمرير المتقن، سواء التمريرات القصيرة أو الطويلة. كان قادراً على إيجاد زملائه في المراكز المناسبة بفضل وعيه المكاني العالي، بالإضاة لتمريراته الدقيقة والسريعة كانت دائماً تلعب دوراً حاسماً في بناء الهجمات لفريقه.
اقرأ أيضاً: متحف كريستيانو رونالدو : وجهة عشاق كرة القدم الجديدة
كان انيستا يمتاز بذكاء كروي نادر، فهو يعرف متى يهاجم ومتى يبطئ إيقاع اللعب. كان بإمكانه تغيير وتيرة المباراة بما يتناسب مع متطلبات فريقه، وهو ما جعله مفتاحاً هاماً في أسلوب “تيكي تاكا” الذي اعتمده برشلونة ومنتخب إسبانيا، وكان يمتاز بقدرة كبيرة على التقدم بالكرة عبر خطوط الخصوم بفضل مراوغاته السريعة والبسيطة. كان يستطيع تجاوز المدافعين بسهولة وسلاسة باستخدام تغيرات مفاجئة في الاتجاه والسرعة، وبفضل هدوئه وثقته في نفسه، كان إنييستا يلعب دوراً محورياً في السيطرة على إيقاع اللعب، وكان يعرف كيف يخلق الفرص لزملائه في الهجوم. هذه القدرة على التحكم بالإيقاع كانت جزءاً كبيراً من أسلوب لعب برشلونة ومنتخب إسبانيا في فترته الذهبية.
انيستا كان يتمتع بتوازن استثنائي يجعله قادراً على مواجهة المدافعين وتحمل التدخلات الجسدية. كان قادراً على لعب عدة أدوار هجومية، سواء في العمق كصانع ألعاب أو على الأجنحة كلاعب جناح مبدع، بالرغم من أنه لم يكن هدافاً بشكل تقليدي، إلا أنه سجل أهدافاً حاسمة، مثل هدفه الشهير في نهائي كأس العالم 2010 الذي منح إسبانيا أول لقب عالمي أمام الطواحين الهولندية في جنوب أفريقيا. إنييستا كان يتمتع بقدرة عالية على اتخاذ القرارات الصحيحة تحت الضغط. كان يعرف متى يمرر، متى يسدد، ومتى يحتفظ بالكرة. هذا الذكاء التكتيكي جعله أحد أفضل صانعي اللعب في عصره، بل من الأغضل تاريخياً بكل تأكيد.
كما كان إنييستا كان يتمتع بشخصية هادئة وثابتة في أرض الملعب، وقدرته على البقاء هادئاً حتى في اللحظات الصعبة جعلته لاعباً يثق به زملاؤه ومدربوه، ففي برشلونة ساهم إنييستا في فوز البلاوغرانا بالعديد من البطولات الكبرى، بما في ذلك 9 ألقاب دوري إسباني و4 ألقاب دوري أبطال أوروبا، كما كان جزءاً أساسياُ من الفريق الذي فاز بكأس العالم 2010 وبطولتي أمم أوروبا 2008 و2012، الرسام إنييستا ليس فقط لاعباً استثنائياً من الناحية الفنية، بل كان أيضاً رمزاً للروح الرياضية والقيادة الهادئة، مما جعله محبوباً بين زملائه ومشجعيه والخصوم أيضاً، وعلى لسان المعلق التونسي القدير عصام الشوالي وصف إنييستا بأنه “التابلو بتاع بيكاسو” أي لوح الألوان الذي كان يستخدمه الفنان بيكاسو لرسم لوحاته، هكذا الدون انيستا، جمع بين الفن والرياضة، وترك خلفه إرث من كرة قدم، التي لن تنسى أبداً.
اقرأ أيضاً: كول بالمر ظاهرة البريميرليغ الجديدة