وسط عالم متغير تتشابك فيه المصالح وتتقاطع فيه التحديات، تبرز الشراكات الاستراتيجية كجسور تعبر بها الدول نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً، إذ يأتي الاتفاق السعودي البريطاني الأخير كإشارة واضحة إلى إدراك الطرفين لأهمية التعاون في مجالات الدفاع والأمن والاستثمار، ففي الرياض، المدينة التي باتت رمزاً للتجديد والانفتاح، اجتمع قادة البلدين ليرسموا معاً ملامح شراكة جديدة تجمع بين قوة الإرادة وعمق المصالح المشتركة.
وهذا الاتفاق ليس مجرد خطوة نحو تعزيز العلاقات الثنائية، بل هو حجر أساس لبناء منظومة تعاون طويلة الأمد، تهدف إلى مواجهة تحديات الحاضر وصناعة فرص المستقبل.
وفي التفاصيل، استضاف الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء، كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، في قصر اليمامة بالعاصمة الرياض، حيث ناقش الطرفان تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، بما في ذلك توسيع نطاق الاستثمارات وتعميق التعاون في مجالي الدفاع والأمن.
وأكد الطرفان عزمهما على تطوير الشراكة الدفاعية بشكل نوعي، بهدف تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين وفتح آفاق جديدة للتعاون في الصناعات الدفاعية، وفقاً لبيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء البريطاني.
وأشار البيان إلى أن الاتفاق يغطي كافة جوانب التعاون الدفاعي، بما في ذلك الطيران القتالي، ويهدف إلى ترسيخ إطار عمل يضمن شراكة مستدامة بين المملكة المتحدة والسعودية للأجيال المقبلة، وشدد كير ستارمر على أهمية استقرار منطقة الشرق الأوسط كعامل أساسي لتحقيق الأمن في بريطانيا، معرباً عن التزام بلاده بتعزيز دورها في المنطقة لدعم استقرارها على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً: شركة طيران الرياض: مزايا للمسافرين بين السعودية وبريطانيا
كما أوضح ستارمر أن التحديات الإقليمية تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين في الداخل البريطاني، مشيراً إلى أن هذا الواقع يتطلب تعزيز التعاون مع السعودية ودول المنطقة.
وفي سياق متصل، أشار ستارمر إلى الجهود المشتركة التي تبذلها بريطانيا لدعم استقرار الشرق الأوسط، بما في ذلك حماية الفئات الضعيفة في سورية، ودعم لبنان، والمساهمة في تسريع إيصال المساعدات إلى غزة، بالإضافة إلى الضغط لتحقيق وقف إطلاق النار وضمان عودة الرهائن.
وتأتي هذه الخطوة في إطار العلاقات المتنامية بين البلدين، التي شهدت نقلة نوعية منذ زيارة ولي العهد السعودي إلى المملكة المتحدة في عام 2018، والتي أسفرت عن إطلاق مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي البريطاني، وقد انعكست هذه الشراكة على نمو التبادل التجاري بين البلدين بنسبة تجاوزت 30% خلال الفترة من 2018 إلى 2023، لتصل إلى 103 مليارات دولار.
وتواصل المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة العمل على تعزيز التعاون الاقتصادي من خلال مبادرات مثل «منتدى الشراكة والأعمال السعودي البريطاني»، الذي يهدف إلى تعزيز التواصل بين رجال الأعمال من الجانبين وتشجيع الاستثمارات المشتركة.
هذا وتعد بريطانيا ثاني أكبر مستثمر أجنبي في السوق السعودية، حيث تُقدر استثماراتها بنحو 16 مليار دولار، مع وجود أكثر من 1139 مستثمراً بريطانياً في المملكة، بالإضافة إلى افتتاح 52 شركة بريطانية مقراتها الإقليمية في الرياض.
اقرأ أيضاً: ستارمر في السعودية وتحوّل اقتصادي نوعي بين المملكتين
يشار إلى أن زيارة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى الرياض لم تكن مجرد حدث دبلوماسي عادي، بل مثلت انطلاقة نحو شراكات نوعية تهدف إلى تعزيز الطاقة النظيفة، ودفع عجلة النمو الاقتصادي، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين، مما يعكس رؤية مشتركة لمستقبل مستدام وعلاقات متينة عابرة للحدود.
وبالتزامن مع هذه الزيارة، كان قد كشف مكتب رئيس الوزراء عن مشروع جديد يهدف إلى إنشاء مصنع لإنتاج ألياف الكربون المعززة بالغرافين في السعودية، ويُتوقع أن يسهم هذا المشروع في توفير فرص عمل جديدة في منطقة شمال إنجلترا، مشيراً إلى أهمية التعاون بين البلدين في تحقيق فوائد اقتصادية مشتركة.
وفي بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء البريطاني، أُكد أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطته الشاملة لتعزيز مشروعات الطاقة المستدامة، وستوفر هذه المشاريع أكثر من 4000 فرصة عمل، إضافة إلى تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات متعددة، مثل الاستثمار، والدفاع، والأمن.
كما أشار بيان صحفي صادر عن السفارة البريطانية إلى أن زيارة ستارمر إلى دول الخليج تهدف إلى تعزيز الاستثمارات في مختلف مناطق المملكة المتحدة، بالإضافة إلى توسيع نطاق التعاون مع السعودية في المجالات الاقتصادية والدفاعية، ما يمهد الطريق لمزيد من الفرص التنموية على الصعيدين المحلي والدولي.