في ظل المشهد السياسي المتغير والمتسارع، تواصل المملكة العربية السعودية دورها المحوري في تعزيز الاستقرار العالمي، مستندة إلى علاقاتها الدبلوماسية الواسعة وتأثيرها المتنامي على الساحة الدولية، وفي هذا الإطار، شهدت العاصمة الرياض حدثاً دبلوماسياً بارزاً تمثل في لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث بحث الجانبان المستجدات الإقليمية والدولية، وناقشا سبل تعزيز التعاون المشترك بما يخدم الأمن والاستقرار.
استقبل الأمير محمد بن سلمان الوزير لافروف في مكتبه بقصر اليمامة، في زيارة تزامنت مع انعقاد محادثات أميركية – روسية تستضيفها السعودية، وتناول اللقاء مختلف الملفات السياسية والاقتصادية التي تهم البلدين، بالإضافة إلى تبادل الرؤى حول الأوضاع المتوترة في بعض المناطق، والدور الذي يمكن أن تلعبه الرياض وموسكو في معالجة تلك الأزمات.
ورافق اللقاء حضور رفيع المستوى من الجانبين، حيث شهد الوفد السعودي مشاركة الأمير عبدالله بن بندر، وزير الحرس الوطني، والأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية، إلى جانب الدكتور مساعد العيبان، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني.
أما الوفد الروسي، فقد ضم يوري أوشاكوف، مستشار الرئيس الروسي للشؤون الدولية والخارجية، وسيرغي كوزلوف، سفير روسيا لدى السعودية، وعدداً من كبار مسؤولي الخارجية الروسية.
اقرأ أيضاً: بن سلمان لترامب: نخطط لاستثمارات بقيمة 600 مليار دولار
بالتزامن مع هذه اللقاءات، استضاف قصر الدرعية في الرياض جلسة مباحثات هامة بين الولايات المتحدة وروسيا، برعاية سعودية، في مسعى لخلق أرضية تفاهم بين القوتين العظميين، وهو تطور وصفته الخارجية الأميركية بأنه «خطوة مهمة نحو الأمام»، فالسعودية، من خلال هذه الوساطة، تعزز موقعها كلاعب أساسي في التوفيق بين القوى الكبرى، مسهمةً في تخفيف التوترات وإيجاد حلول دبلوماسية للصراعات القائمة.
وسبق ذلك اتصال هاتفي لوزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، بنظيره الروسي سيرغي لافروف مطالع الشهر الجاري، حيث ناقش الطرفان القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، مؤكدين على ضرورة التنسيق المشترك لتعزيز الاستقرار العالمي، ومشيرين إلى أهمية تكثيف الجهود الدبلوماسية لمواجهة التحديات الراهنة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين.
ومنذ سنوات، تنظر كل من الرياض وموسكو إلى علاقتهما الثنائية باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق التوازن السياسي والاقتصادي على المستوى الدولي، فإلى جانب التنسيق في القضايا الإقليمية، يعزز الجانبان التعاون في مجالات الطاقة والاستثمار، خاصةً في ظل التحديات الاقتصادية العالمية التي تفرض على الدول الكبرى البحث عن شراكات استراتيجية أكثر استدامة.
اقرأ أيضاً: السعودية وبريكس: محادثاتٌ مع روسيا ولقاءٌ في قلب الهند
وفي هذا السياق، أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدور السعودية في المشهد السياسي الدولي، مشيراً إلى إمكانية أن تكون الرياض وسيطاً موثوقاً في النزاع الروسي – الأوكراني، وأكد بوتين في تصريحاته الأخيرة استعداده لمناقشة سبل السلام مع أوكرانيا، مشدداً على أهمية الدور السعودي في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، كما أبدى انفتاحه على فكرة عقد مؤتمر للسلام في السعودية، لكن ذلك يبقى مشروطاً بتراجع كييف عن موقفها الرافض للمفاوضات مع موسكو.
وبالحديث عن الأزمة الأوكرانية، شدد بوتين خلال قمة «بريكس» على أن روسيا تفضل الحلول الدبلوماسية، لكنها في الوقت ذاته لن تتنازل عن أهدافها الاستراتيجية، كما حذر من أن أي تحركات قد تؤدي إلى تصعيد نووي ستكون لها تداعيات خطيرة لا يمكن التنبؤ بها، مشيراً إلى أن أي محاولات من قبل أوكرانيا لامتلاك أسلحة نووية ستواجه برد قاسٍ.
ولم تقتصر مواقف موسكو على الشأن الأوكراني فحسب، بل امتدت إلى أزمات أخرى، منها تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وخاصة العلاقات الإيرانية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، وأشار بوتين إلى أن إيجاد حل دبلوماسي بين الطرفين قد يكون بالغ الصعوبة، لكنه شدد على أهمية المساعي الدولية لتفادي اندلاع مواجهات عسكرية قد تؤدي إلى اضطرابات إقليمية واسعة.
اقرأ أيضاً: تحضيراً للقمة: محادثات روسية أمريكية في الرياض