وسط عالم مضطرب يموج بالصراعات والتغيرات الجيوسياسية، تقف المملكة العربية السعودية بثبات، حاملة رؤية تدعو إلى العدالة والاستقرار الإقليمي، وبينما تتشابك الخيوط السياسية وتتعقد الملفات الحساسة، يبرز صوت المملكة ليؤكد أن المبادئ لا تتجزأ، وأن الحقوق المشروعة للشعوب لا تُساوم.
وفي حديث يعكس عمق التزام المملكة بما بات يعرف بـ «حل الدولتين» وإصرارها على رؤية الفلسطينيين ينالون حقهم في تقرير المصير، يفتح الأمير فيصل نافذة تطل على حراك دبلوماسي يوازن بين الحزم والحوار، ويؤكد أن مسار الاستقرار ليس خياراً، بل ضرورة حتمية تفرضها مسؤوليات كبرى تجاه المنطقة ومستقبلها.
وفي التفاصيل، فقد صرّح وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، بأن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي غير مطروح قبل التوصل إلى حل يتضمن إقامة دولة فلسطينية، مشدداً على أهمية «تطبيق حل الدولتين بخطوات ملموسة وضمان حق الفلسطينيين في تقرير المصير».
وجاء ذلك خلال مشاركته في منتدى «مبادرة الاستثمار» في الرياض، حيث أكد أن إقامة الدولة الفلسطينية ليست رهناً بموافقة الإسرائيليين، بل تستند إلى مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
اقرأ أيضاً: بن فرحان: لن نتوانى عن وقف النار بغزة ولبنان
وأشار الأمير فيصل إلى ضرورة انضمام فلسطين كعضو في الأمم المتحدة بأسرع وقت، محذراً من أن أمن المنطقة قد يتأثر بشكل كبير في حال عدم إيجاد حل للحقوق الفلسطينية والسعي لإقامة دولة فلسطينية، موضحاً أن الموقف السعودي ثابت بشأن رفض التطبيع مع الكبان الإسرائيلي قبل تحقيق هذا الهدف، وأن قضية التطبيع لا تخص السعودية فقط، بل تشمل المنطقة بأسرها، إذ قد يكون الوضع الإقليمي معرضاً للخطر ما لم يتم إيجاد مسار واضح لحل القضية الفلسطينية.
وفيما يخص الوضع في غزة، لفت الأمير فيصل إلى أن المفاوضات الرامية لوقف إطلاق النار قد تعثرت مراراً بسبب مطالب إسرائيلية جديدة، واصفاً الاعتداءات الإسرائيلية في شمال القطاع بأنها «شكل من أشكال الإبادة الجماعية التي تزيد من دوامة العنف”، ومؤكداً أن العمليات العسكرية أدت إلى أزمة إنسانية كبيرة.
أما عن العلاقات الإقليمية، فذكر الأمير فيصل أن العلاقة مع إيران تسير في الاتجاه الصحيح، رغم التحديات الجيوسياسية، وأوضح أن المحادثات مع إيران كانت صريحة وهدفت إلى تعزيز الفهم المتبادل وتقليل سوء التفاهم، مع التنسيق الوثيق مع شركاء مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الاستقرار الإقليمي، مضيفاً أن إيران تدرك مخاطر التصعيد وتسعى لتجنبه، مشيراً إلى أن تباعد العلاقات في الماضي كان بسبب سلوكها الإقليمي، لكنه أعرب عن أمله في تحسن العلاقات تدريجياً.
وفيما يتعلق بالتدريبات العسكرية، نفى الوزير احتمال القيام بتمارين مشتركة مع إيران في المستقبل القريب، كما شدد على أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، قادرة على التعامل مع النزاعات الإقليمية بطريقة تضمن استمرار التنمية والحفاظ على الاستقرار، لافتاً إلى الإنجازات الاقتصادية في إطار رؤية 2030.
اقرأ أيضاً: السعودية تدين الهجوم الإسرائيلي على إيران وتحذر من العواقب
وحول السياسة الخارجية للمملكة، أكد الأمير فيصل أن السعودية تتبنى سياسة واضحة، بما في ذلك في ملف غزة، إذ طالبت بوقف إطلاق النار منذ بداية الأزمة، وحذرت من أن رد الكيان الإسرائيلي العنيف سيؤدي إلى كوارث إنسانية.
وبشأن لبنان، أعرب الوزير عن أمله في تحقيق وقف إطلاق النار قريباً، مشيراً إلى أن السعودية ليست جزءاً مباشراً من المفاوضات، لكنها تدعم الجهود الأميركية، ونفى أي انفصال بين السعودية ولبنان، مؤكداً أن حل المشكلات السياسية اللبنانية يجب أن ينبع من الداخل اللبناني دون تأثير خارجي.
وفي ملف العلاقات مع الولايات المتحدة، شدد الأمير فيصل على قوة الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، موضحاً أن التعاون يشمل الأمن القومي والاقتصاد، مشيراً إلى أن العمل المستمر مع الإدارة الأميركية على اتفاقيات تشمل مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والدفاع، مع استعداد المملكة للتعاون مع أي إدارة أميركية قادمة، بغض النظر عن انتمائها الحزبي.
اقرأ أيضاً: الدور المهم الذي قامت به السعودية لوقف الحرب ودعم غزة