في زيارة تحمل في طياتها الكثير من الإعجاب والتقدير، تحدث رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون عن زيارته إلى المملكة العربية السعودية، مؤكداً سعادته بوجوده فيها، ومستذكراً رحلته الأخيرة إلى مشروع البحر الأحمر، الذي كان قد زاره قبل ثماني سنوات بناءً على دعوة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لكن ما رآه هذه المرة كان مختلفاً تماماً، إذ شهد تطوراً استثنائياً لم يكن يتوقعه.
خلال مشاركته في الجلسة الحوارية الثانية ضمن فعاليات “المنتدى السعودي للإعلام” الذي أقيم في العاصمة الرياض، أبدى جونسون دهشته من التغييرات الجذرية التي طرأت على المشروع، مشيراً إلى أنه عندما زار المكان قبل ثماني سنوات، لم يكن هناك سوى الرمال والمساحات الفارغة، في حين بات اليوم يضم قرابة 12 ألف غرفة فندقية فاخرة، مما يجعله مؤهلاً لأن يكون وجهة سياحية عالمية بامتياز، وأكد أن المملكة تمتلك مقومات طبيعية خلابة، من بحار صافية وجبال مهيبة، تجعلها قادرة على جذب ملايين السياح من جميع أنحاء العالم.
وفي حديثه عن سرعة التطور في السعودية، قارن جونسون الوضع في بلاده بالمملكة، لافتاً إلى أن بريطانيا أنفقت قرابة 68 مليار دولار دون أن تتمكن من تحسين طريق سريع واحد، في حين تشهد السعودية نهضة عمرانية وسياحية غير مسبوقة، معتبراً أن ذلك يعود إلى وجود رؤية طموحة وقيادة حازمة تضع خططاً واضحة لمستقبل البلاد، في إشارة إلى رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد فقط على النفط.
اقرأ أيضاً: بريطانيا تعلن استكمال مفاوضات التجارة الحرة مع دول الخليج
وأشاد جونسون بالتحولات التي طرأت على قطاع التكنولوجيا في المملكة، خاصة فيما يتعلق بمشاركة المرأة السعودية، مشيراً إلى أن 35% من العاملين في هذا القطاع هن من النساء، متجاوزاً بذلك نسبة النساء العاملات في وادي السيليكون في الولايات المتحدة، التي تصل إلى 28% فقط، واعتبر أن هذه النسبة تعكس تطوراً ملحوظاً في المملكة، ودليلاً على أنها باتت مركزاً محورياً للتقنيات الحديثة، مستشهداً باستضافتها للمحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا.
لم يكن حديث جونسون محصوراً في السياسة والاقتصاد فقط، بل تطرق أيضاً إلى تجربته الشخصية في مجال الصحافة، متذكراً كيف كتب في أحد مقالاته انتقاداً لاذعاً لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجور، وهو ما أبدى ندمه عليه لاحقاً، حيث أدرك أن ميجور كان يسعى جاهداً لتحقيق إنجازات إيجابية.
وعرج جونسون على رحلته في عالم السياسة، حيث خاض عدة انتخابات لم يوفق في بعضها قبل أن يتمكن من الوصول إلى منصب رئيس الوزراء في نهاية المطاف، وتحدث جونسون عن أهمية التواصل المباشر بين القادة والجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى تجربة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في هذا المجال، معتبراً أن حضور الشخصيات السياسية على المنصات الرقمية أصبح ضرورة وليس خياراً.
كما استعرض جونسون تفاصيل كتابه الأخير، الذي تناول فيه قصة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست“، حيث سرد خلفيات اتخاذ هذا القرار وما رافقه من تحديات، وأوضح أن الكتاب لم يقتصر على ذلك، بل شمل أيضاً محطات بارزة في حياته السياسية، من فترة توليه منصب عمدة لندن بين عامي 2008 و2016، إلى تعامله مع أزمة جائحة كورونا، بالإضافة إلى علاقته بالاتحاد الأوروبي.
وفي سياق حديثه عن التحديات التي تواجه الإعلام في العصر الرقمي، شدد جونسون على أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تؤثر في فهم الحقائق بشكل مشوش، ما يجعل من الصعب التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، ووجه رسالة إلى الشعب السعودي يدعوهم فيها إلى الفخر بالإنجازات التي تحققها بلادهم، مؤكداً أن السعودية أصبحت لاعباً مهماً في المشهدين السياسي والاقتصادي العالمي.
اقرأ أيضاً: السعودية بريطانيا: بيان لخفض التصعيد الإقليمي.. ماذا تضمن؟
أما فيما يتعلق بالأوضاع في غزة، فقد وصف جونسون ما يحدث هناك بالمأساة، مشيراً إلى أن الحل لا يمكن أن يكون إلا من خلال الحوار وجمع الأطراف المختلفة على طاولة السلام، وانتقد الطرح الذي قدمه الرئيس الأميركي بخصوص غزة، معتبراً إياه غير واقعي. كما أشار إلى التغيرات التي تشهدها المنطقة، مؤكداً أن السعودية تلعب دوراً محورياً في تحقيق الاستقرار الإقليمي والعمل على إحلال السلام.
واختتم جونسون حديثه بالتأكيد على أن المملكة العربية السعودية ليست فقط في طريقها لأن تصبح قوة اقتصادية عالمية، بل إنها أيضاً تسهم بفاعلية في صياغة المشهد السياسي الإقليمي، مما يجعلها نموذجاً فريداً للتحول السريع والتنمية الطموحة.