تقنية مبتكرة في مجال الزراعة المستدامة كشف عنها فريق من الباحثين في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست KAUST»، وهي عبارة عن تقنية تبريد متقدمة ساهمت في مضاعفة إنتاجية بعض المحاصيل بنسبة 200% داخل مستنبتات زراعية صغيرة تقع في بيئات حارة وجافة، كالمناخ السائد في المملكة العربية السعودية.
تقنية زراعية مبتكرة
وتعتمد هذه التقنية الجديدة على دمج غطاء بلاستيكي نانوي مع طبقة من النشارة العضوية القابلة للتحلل، ما يوفّر وسيلة تبريد طبيعية دون الحاجة إلى مصادر طاقة تقليدية، وقد أظهرت التجارب قدرتها على خفض درجات الحرارة داخل المستنبتات بما يصل إلى 25 درجة مئوية، ما يمثّل تحولاً جذرياً في طرق الزراعة تحت الظروف القاسية، وقد تم نشر نتائج هذا الإنجاز في الدورية العلمية Nexus.
يشكّل هذا الابتكار نقلة نوعية في مجال الزراعة داخل البيئات الجافة، ويقدم حلاً ذكياً وموفراً، إذ يتيح إمكانية زراعة مجموعة أوسع من المحاصيل، ما ينعكس إيجاباً على الأمن الغذائي ويسهم في خفض الانبعاثات الكربونية، على خلاف الأنظمة التقليدية المستخدمة لتبريد البيوت الزراعية، التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة، بحسب البروفيسور تشياو تشيانغ غان، الأستاذ في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست» والمطور الرئيسي للغلاف البلاستيكي النانوي.
وقال البروفيسور في شرحة للتقنية:
“معظم الأغطية الزراعية الحالية تسمح بمرور الأشعة تحت الحمراء، ما يؤدي إلى رفع درجة حرارة المستنبت دون أن يفيد ذلك في عملية نمو النبات. أما نحن فنستهدف تمرير الضوء المفيد للنبات فقط، ومنع الأشعة الضارة، لخلق بيئة مثالية للنمو دون استهلاك مفرط للطاقة”.
من جانبه، أوضح يانبي تيان، باحث ما بعد الدكتوراه والمصمم الرئيس للنشارة الجديدة، أن النشارة البلاستيكية التقليدية تخلّف أثراً بيئياً سيئاً، إذ تنتج حوالي 1.5 مليون طن من النفايات سنوياً، ولا يعاد تدوير سوى أقل من 40% منها، كما تُخلّف جزيئات دقيقة قد تتسرب إلى التربة وتدخل لاحقاً في السلسلة الغذائية.
أما النشارة الجديدة –بحسب قوله- فهي مصنوعة من مواد عضوية قابلة للتحلل صمِّمت خصيصاً لعكس الضوء وتقليل درجة حرارة التربة، وتتحلل تدريجياً بمرور الوقت، لذا فهي خيار صديق للبيئة ومستداماً بديلاً عن البلاستيك التجاري.
ويرتكز الغطاء المبتكر على مادة بولي إيثيلين شفافة تم تدعيمها بجزيئات نانوية متقدمة قادرة على امتصاص الأشعة تحت الحمراء، ما يسمح بالحفاظ على درجات حرارة معتدلة داخل المستنبت دون التأثير على مرور الضوء المرئي الضروري لعملية التمثيل الضوئي.
وقد تم إجراء تجارب ميدانية داخل المملكة لاختبار هذا النظام الزراعي المزدوج باستخدام مستنبتات مصغّرة لزراعة الملفوف الصيني، وأظهرت النتائج أداءً زراعياً متفوقاً مقارنة باستخدام الأغطية والنشارة التقليدية.
ويعتزم فريق البحث حالياً توسيع نطاق الدراسة لتشمل مستنبتات أكبر ومحاصيل متنوعة، في إطار الجهود المستمرة لـ«كاوست» لتعزيز الابتكار الزراعي وتحقيق الاستدامة البيئية في المنطقة.
اقرأ أيضاً: البنفسج يزهر في السعودية.. موسم الجاكرندا يبهر زوار أبها
الزراعة في المملكة وحلول ذكية
يعدّ الابتكار الذي ذكرناه مجرد غيض من فيض من بين الحلول الزراعية الذكية التي يتم تجربتها في السعودية لمواجهة التحديات البيئية وتغير المناخ، فالمملكة تتبنى حلولاً وتقنيات عدة من أجل الأمن الغذائي والاستدامة، ومن هذه التقنيات الزراعة العمودية، وهي تقنية حديثة تعتمد على زراعة المحاصيل داخل بيئة محكومة يتم التحكم فيها بدرجة الحرارة والرطوبة والإضاءة بدقة، ما يقلل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 90% مقارنة بالطرق التقليدية، ويوفر إنتاجاً مستمراً طوال العام.
وقد رصدت المملكة في إطار رؤيتها 2023، ميزانية بقيمة 27 مليون دولار لدعم مشروعات الزراعة العمودية، من أبرزها مشروع الرياض، الذي يعدّ الأكبر من نوعه في المملكة والشرق الأوسط… يقع هذا المشروع في المنطقة الصناعية الثانية بالرياض، ويمتد على مساحة مبنية تبلغ 4,500 متر مربع بارتفاع 15 متراً، موزعة على 19 طبقة زراعية بمساحة إجمالية قدرها 20,000 متر مربع.
ويوفر المشروع إنتاجية تصل إلى 2,200 كيلوجرام من الخضروات الورقية يومياً، ما يعزز الاكتفاء الذاتي ويقلل الاعتماد على الواردات الزراعية.
صندوق التنمية الزراعية ودعم المشاريع بالمملكة
جدير بالذكر أنه في شهر مايو الجاري، سجل صندوق التنمية الزراعية في السعودية نمواً غير مسبوق في حجم تمويله للمشاريع الزراعية، تماشياً مع مستهدفات رؤية 2030، فقد ارتفع حجم التمويل السنوي من 455 مليون ريال في عام 2016 إلى 7.166 مليارات ريال في عام 2024، ما يؤكد على الالتزام الواضح والمتزايد بدعم القطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي والاستدامة البيئية.
وأكد الصندوق استمراره في تقديم حلول تمويلية مبتكرة ومستدامة للمستثمرين والمنتجين الزراعيين، دعماً للإستراتيجية الوطنية للزراعة، وتعزيزاً للتنمية الريفية والاقتصاد الوطني.
ختاماً، تمهّد هذه التقنيات الزراعية المتقدمة والصديقة للبيئة الطريق لمستقبل زراعي أكثر ازدهاراً واستدامة، وتعزز من قدرة المملكة على مواجهة التحديات المناخية والاقتصادية، ما يؤكد مكانتها الرائدة في مجال الابتكار الزراعي على مستوى المنطقة والعالم.
اقرأ أيضاً: ما هي القطاعات التي تعتمد عليها السعودية في 2025 للابتعاد عن النفط؟