بين أروقة الدبلوماسية الهادئة، وتحت أضواء الرياض المتألقة، تحركت عجلة الجهود الدولية والإقليمية بحثاً عن مسار جديد للأزمة اليمنية، وهنا، حيث تلتقي الرؤى وتتقاطع المصالح، شهدت الأيام الماضية نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً، محوره الأمل في خفض التصعيد، وإنعاش الاقتصاد، وإحياء عملية سياسية شاملة تُعيد لليمن استقراره المفقود.. فما الذي دار خلف الكواليس؟ وكيف يمكن لهذه اللقاءات أن تُشكِّل نقطة تحول في مسار الأزمة؟ إليكم التفاصيل.
شهدت العاصمة السعودية الرياض خلال الأيام القليلة الماضية نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً حول الملف اليمني، وتمحور حول الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى خفض التصعيد، تعزيز الاقتصاد، وإطلاق عملية سياسية شاملة تحت مظلة الأمم المتحدة.
وبرز هذا الحراك من خلال لقاء رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، ونائبه عثمان مجلي، مع المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، والسفير الأميركي لدى اليمن ستيفن فاجن، وتناول اللقاء آخر المستجدات الدبلوماسية الرامية إلى التهدئة، بالإضافة إلى مناقشة الخطوات اللازمة للتحضير لعملية سياسية شاملة بإشراف الأمم المتحدة.
وصف السفير الأميركي اللقاء بـ «المثمر»، مشيراً إلى تركيزه على قضايا الاقتصاد والحد من التصعيد الحوثي، وأضاف أن «المحادثات تناولت جهود دعم الاقتصاد اليمني وتقليص التهديدات الحوثية، في ظل استمرار الجماعة الإرهابية في تهديد السلام والأمن الإقليميين».
من جهة أخرى، ذكرت السفارة الأميركية لدى اليمن عبر منصة «X» أن الاجتماع تناول ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ومنع تدفق الأسلحة الإيرانية إليهم، وتكثيف الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل دائم للأزمة اليمنية.
اقرأ أيضاً: البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن: تحفيز التعليم وتطوير المهارات
وفي سياق متصل، صرّح السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، عقب اجتماع مشترك مع المبعوث الأميركي والسفير فاجن، بأن النقاش ركز على المستجدات في اليمن والبحر الأحمر، ودعم الحكومة اليمنية والشعب اليمني في ظل التحديات الاقتصادية والإنسانية الراهنة، بجانب دعم جهود الأمم المتحدة للحفاظ على التهدئة والوصول إلى حل سياسي شامل.
وأكد الدكتور رشاد العليمي، خلال لقائه مع ليندركينغ، تمسك المجلس الرئاسي والحكومة بنهج السلام العادل والشامل وفقاً للمرجعيات الوطنية والدولية، بما في ذلك القرار الأممي 2216، كما ناقش الاجتماع تداعيات التطورات الإقليمية والدولية، ونتائج الانتخابات الأميركية، وتأثيرها على جهود خفض التصعيد، إضافة إلى السبل الممكنة لدفع الحوثيين نحو التعامل بجدية مع المساعي السياسية الأممية.
وتناول اللقاء أيضاً العلاقات الثنائية بين اليمن والولايات المتحدة، وسبل تعزيز التعاون في مختلف المجالات، مع التركيز على الدعم الاقتصادي وتحسين الوضع المعيشي، ومواجهة التداعيات الإنسانية الناجمة عن الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية والملاحة الدولية.
كما دعا العليمي إلى ضرورة تكثيف الجهود الدولية لتطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بحظر تصدير الأسلحة إلى الميليشيات الحوثية.
وفي الإطار ذاته، اجتمع العليمي مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي وسفير ألمانيا لدى اليمن، حيث ناقشوا التحديات الاقتصادية الناجمة عن توقف تصدير النفط بفعل الهجمات الحوثية، وتأثيرها على الوضع الإنساني والخدمي، وبحث اللقاء مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي يقودها مجلس القيادة الرئاسي، والدعم الأوروبي المطلوب لتعزيز الاقتصاد اليمني، وزيادة المساعدات الإنسانية والتنموية في مختلف القطاعات.
اقرأ أيضاً: اجتماعٌ ثانٍ في الرياض.. «اتفاق بكين» ينتصر مرة أخرى
يشار إلى أن الأزمة الحالية في اليمن لها جذور عميقة تمتد لعقود من الزمن، حيث تعود إلى التوترات التاريخية والانقسامات السياسية التي تطفو على السطح منذ فترة طويلة، إذ عاش اليمن تاريخاً من الانقسام بين الشمال والجنوب، حيث كانت كل منطقة تسير وفق مسارات سياسية واجتماعية مختلفة.
بعد توحيد اليمن في عام 1990، بدت الوحدة وكأنها حل للمشكلات، لكن سرعان ما ظهرت هشاشتها نتيجة التفاوت الاقتصادي والتهميش الذي عانت منه بعض المناطق، خاصة في الجنوب، وأدى ذلك إلى تفاقم الشعور بالظلم لدى العديد من الفئات الاجتماعية، ما زرع بذور التوتر التي استمرت لعقود.
ظهور الحوثيين كان نتيجة لتلك التراكمات، حيث نشأت الحركة في الشمال كرد فعل على الإقصاء الاقتصادي والسياسي الذي تعرضت له المناطق الزيدية، وبدأت الحركة نشاطها كمجموعة دينية، لكنها تحولت إلى تمرد مسلح ضد الدولة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وتصاعد نفوذ الحوثيين بعد احتجاجات 2011 التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح، حيث استغلوا الفراغ السياسي والفوضى للسيطرة على مناطق واسعة، بما في ذلك العاصمة صنعاء في عام 2014، وتحالف الحوثيون مع صالح لفترة قصيرة، ما ساعدهم على تعزيز قوتهم، لكن هذا التحالف انهار لاحقاً، مما زاد من تعقيد المشهد.
في هذه الأثناء، تدخلت القوى الإقليمية، حيث دعمت السعودية ودول التحالف الحكومة المعترف بها دولياً بقيادة عبد ربه منصور هادي، بينما وقفت إيران بجانب الحوثيين، ما حول اليمن إلى ساحة صراع إقليمي.
التدخلات الدولية والإقليمية أعاقت الوصول لسلام لسنوات طويلة، لكنها انتهت مع توقيع مذكرة التفاهم ما بين السعودية وإيران في الصين عبر ما عرف بـ «اتفاق بكين»، التي كانت أولى ثماره اتخاذ القرار المشترك من قبل البلدين بإنهاء حالة الصراع في اليمن وبلوغ حل سياسي يعيد السلام للبلاد.