من قلب «حوار المنامة 2024»، تتعالى الأصوات مجدداً لتعيد صياغة الأولويات، وتضع السلام في المنطقة على طاولة الحوار كخيارٍ استراتيجي، وليس مجرد شعارٍ عابر، فمن جديد عاد وأكد وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، أن المملكة تدعو المجتمع الدولي إلى تحويل أقواله إلى أفعال وتجسيد «حل الدولتين» على أرض الواقع.
وقال بن فرحان في حديث له مؤخراً: «إذا كان المجتمع الدولي مهتماً بحماية ما تبقى من مصداقية قواعده ومؤسساته، فعليه التعاون مع المملكة والدول الإقليمية الجادة في السلام، لتحقيق حل الدولتين بشكل ملموس»، مؤكداً تمسك المملكة بالسلام كخيار استراتيجي، مستعرضاً مسيرتها بدءاً من مبادرة الملك فهد للسلام عام 1981م، مروراً بمبادرة السلام العربية، وصولاً إلى القمم العربية والإسلامية التي عقدت في الرياض.
كما أشار إلى إطلاق المملكة وشركائها «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين»، بهدف تحقيق خطوات عملية نحو إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال، دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني.
وخلال مشاركته في افتتاح أعمال اليوم الأول للمنتدى العشرين للأمن الإقليمي «حوار المنامة 2024»، شدد الأمير فيصل على أن المملكة وأشقاؤها في المنطقة يتمتعون بإرادة سياسية جادة لتحقيق السلام وتجاوز الأزمات، مشيراً إلى أن الحروب والصراعات قادت المنطقة إلى منعطف خطير، ما يتطلب تحركاً مشتركاً لتصحيح المسار والعودة إلى نهج السلام والتعايش.
وأوضح أن السياسة الخارجية للمملكة تهدف إلى خلق مساحات للسلام تفوق التحديات، وتحد من تأثير الأطراف المعرقلة، مؤكداً أن الشعوب في المنطقة تطمح إلى مستقبل أفضل يتطلب البناء والتعاون.
وأشار الوزير إلى أن تحقيق هذا المستقبل المأمول يتطلب التزاماً وجهوداً مشتركة، وإرادة سياسية تتجاوز المصالح الضيقة، مؤكداً على ضرورة مواجهة الأطراف التي تعرقل جهود السلام بحزم.
هذا وحذر وزير الخارجية من أن استمرار الحرب في غزة، واتساع نطاقها إقليمياً، يهدّد منظومة الأمن الدولي ومصداقية القوانين الدولية، وأضاف أن الإفلات المستمر لإسرائيل من العقاب واستمرار استهدافها للمنظمات الدولية يتطلب تدخلاً مكثفاً لوقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن.
كما رحب بوقف إطلاق النار في لبنان، معرباً عن أمله في أن تسفر الجهود الدولية عن تنفيذ قرار مجلس الأمن (1701)، بما يعزز استقرار لبنان وسيادته، وفيما يخص السودان، أكد الأمير فيصل أن استمرار الصراع يفاقم الأزمة الإنسانية، داعياً إلى حل سياسي مستدام يحفظ سيادة السودان وأمنه.
اقرأ أيضاً: السعودية ترحّب بوقف إطلاق النار في لبنان وهذه بنود الاتفاق
وتحدث الأمير فيصل عن «رؤية المملكة 2030»، التي تمثل أساس طموحات المملكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيراً إلى أن السياسة الخارجية تعكس أولويات هذه الرؤية، وتسعى لخلق واقع أكثر إشراقاً للمنطقة.
ورغم التحديات الحالية، أعرب عن تفاؤله بمستقبل الشرق الأوسط، استناداً إلى موقعه الجغرافي وموارده الاقتصادية، وشدد على أن تعزيز التعاون الإقليمي والشراكات الدولية يتطلب قاعدة من الأمن والاستقرار، مؤكداً أن المنطقة بحاجة إلى مسار بديل يركز على المصالح المشتركة، مما يمهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقاً لشعوبها.
وفي الجلسة الأولى من المنتدى، أكد الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أنه لا يمكن لإسرائيل العيش بسلام وأمن دون حل القضية الفلسطينية بشكل عادل عبر تطبيق حل الدولتين، وقال إن إسرائيل لا تمثل فقط قوة استعمارية غربية، بل أصبحت وفقاً لتقارير حقوقية دولية دولة تمارس الفصل العنصري وحتى الإبادة الجماعية.
وأشار الأمير تركي إلى غياب القيادات في المنطقة وتجاهل المبادئ الدبلوماسية، معتبراً أن غياب النظام يشكل تحدياً كبيراً، وأكد على تميز دول مجلس التعاون الخليجي باهتمامها ببناء المنطقة، مشدداً على أهمية البحث عن حلول للصراعات الممتدة.
اقرأ أيضاً: الدور المهم الذي قامت به السعودية لوقف الحرب ودعم غزة
كما دعا إلى تعلم الدروس من الحروب وتعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن حل الدولتين هو الأساس لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
من جهة أخرى، أكد المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن الأطراف المتحاربة في اليمن والشعب المحاصر لا يمكنهم انتظار خريطة طريق للسلام إلى ما لا نهاية، وحذر من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى انزلاق البلاد مجدداً إلى دوامة الحرب.
وأشار إلى أن الحل ما زال ممكناً رغم التحديات، مؤكداً أن خريطة الطريق ليست «عصا سحرية»، لكنها تتطلب إرادة جادة من الأطراف لتحقيق تقدم ملموس، وأضاف أن أي عودة إلى الصراع الداخلي ستكون لها عواقب وخيمة على الجميع.
وناقشت الجلسة الحوارية الثانية للمنتدى التحديات السياسية والعسكرية في المنطقة، وشارك فيها شخصيات بارزة مثل وزير الدفاع السنغافوري، ونائب وزير خارجية أرمينيا، ومساعد وزير الدفاع المصري، وركزت الجلسة على الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الأمن والاستقرار.
وأشار المبعوث الأممي إلى أن الشعب اليمني ينتظر السلام منذ زمن طويل، وأن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهداً مشتركاً للحفاظ على الزخم الحالي وتجنب الانزلاق إلى مواجهات جديدة، وسلط المنتدى الضوء على أبرز التحديات الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط، وناقش الجهود المبذولة لتعزيز الأمن الدولي وتحقيق التنمية المستدامة.