في خطوة دبلوماسية هامة حصلت قبل أيّام، ناقش وزيرا خارجية المملكة العربية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، ووزير الخارجية السوري، بسام الصباغ، الأوضاع المستجدة في المنطقة والجهود المبذولة بشأنها، واتفق الوزيران على استمرار التواصل والتنسيق بينهما بشأن كل ما يخدم تحقيق الأمن والاستقرار، وذلك خلال اتصال هاتفي بين الجانبين.
وتركز الحديث بين الجانبين على مجموعة من القضايا الإقليمية المهمة، في مقدمتها الوضع في سوريا، ولبنان وغزّة والتهديدات الأمنية الناتجة عن النزاع المستمر.
وفي وقت سابق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، التقى الجانبان على هامش اجتماع وزراء الخارجية التحضيري للقمة العربية الإسلامية المشتركة في الرياض، وتناول اللقاء في جزء منه تطور العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، إذ عبر الصباغ عن ارتياحه للتطور الذي شهدته تلك العلاقات بين البلدين خلال الفترة الماضية، وتطلعه لتعزيزها لتشمل مجالات إضافية، فيما اتفق الوزيران على متابعة التواصل بهذا الشأن.
اقرأ أيضاً: من ضمنها سوريا.. دعم سعودي إنساني لمنظمات دولية في 3 دول
تأتي هذه اللقاءات والاتصالات بين السعودية وسوريا في وقت تشهد فيه المنطقة تغيرات وتوترات كبرى مازالت مآلاتها مفتوحة على كل الاحتمالات، ولهذا، فهي لها أهميّة خاصة، إلّا أنها أيضاً تحمل جانباً آخراً من الأهمية لكونها جاءت بعد قطيعة دامت لسنوات بين البلدين على خلفية الأزمة السورية في العام 2011، فكيف بدأت العلاقات وأين وصلت اليوم وما هي آفاقها وكيف ستتطور؟
في الحقيقة، تعود علاقات المملكة العربية السعودية وسوريا إلى الأربعينيات من القرن العشرين بعد تأسيس المملكة، وكان هناك نوع من التنسيق والاحترام بين البلدين نظراً للمصالح المشتركة في العالم العربي، واهتمامهما بقضايا الوحدة العربية والاستقلال السياسي، ومع ذلك، شهدت هذه العلاقات العديد من التحديات بسبب السياسة الإقليمية المتغيرة والصراعات في المنطقة.
في السبعينيات والثمانينيات، شهدت العلاقات السعودية السورية تقلبات، حيث كانت سوريا تتبع سياسة مؤيدة أو قريبة من الاتحاد السوفييتي آنذاك، في حين كانت المملكة تتبنى سياسة التحالف مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من هذه الاختلافات، إلا أن السعودية وسورية حافظتا على التعاون في بعض القضايا العربية المشتركة، خاصة في مجال السياسة الفلسطينية.
لاحقاً لذلك، وفي التسعينيات، تطورت العلاقات بين الرياض ودمشق بشكل إيجابي، خصوصاً بعد اتفاقية السلام بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين في اتفاق أوسلو، ومع نهاية حرب الخليج الثانية عام 1991، تعاونت السعودية وسوريا في إطار التحالف العربي الذي دعم تحرير الكويت.
اقرا أيضاً: عودة التواصل: رحلات جوية منتظمة تربط بين سوريا وثلاث مدن سعودية
وحافظت العلاقات على إيجابيتها حتى عام 2011، الذي كان عاماً فاصلاً، إذ تغيرت العلاقات بشكل جذري مع اندلاع الحرب في سورية، ففي بادئ الأمر، كانت المملكة العربية السعودية من بين الدول التي طالبت برحيل الرئيس السوري بشار الأسد، ووقفت ضد النظام الحاكم في سورية في المحافل الدولية.
حينها، دعمت السعودية الطرف المقابل للنظام الحاكم، بينما دعمت إيران الجيش السوري بوجه من رفع السلاح ضدّه، وأصبح البلدين في معسكرين إقليميين متعارضين، وقطعت الرياض العلاقات الدبلوماسية مع دمشق في عام 2012، لكن ومع حلول العام 2021، بدأت بعض الدول العربية في إعادة النظر في موقفها تجاه نظام الحكم في سورية، فدول مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين بدأت في تطبيع العلاقات مع دمشق تدريجياً، ما أثار تساؤلات حول موقف السعودية، ومع ذلك، حافظت السعودية على موقفها الرافض لإعادة العلاقات مع سوريا قبل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
لكن ما بعد ذلك فُتحت صفحة جديدة، وعادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى صورتها الطبيعية، وواصلت السعودية الجهود حتى ألغت تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، وإلى جانب السفارة السعودية في دمشق، تبني الآن المملكة قنصليتها الخاصة، وسط ترحيب دولي بعودة العلاقات، فيما حافظت السعودية على موقفها بضرورة إنجاز حل سياسي على أساس القرار الدولي 2254.
أي، يمكن القول اليوم، إنّ تطورات الإقليم والمنطقة، وعلى رأسها التفاهمات السعودية الإيرانية، التي أنهت التخاصم بين المعسكرين الإقليميين سابقي الذكر، كان لها تعبيراتها العملية في سورية، وانعكست عبر بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين السعودية وسورية.
لذلك، من المتوقع أن تستمر وتتعزز العلاقات الثنائية بين البلدين في قادم الأيام، إذ جرى الاتفاق على تبادل الزيارات بين المسؤولين في الفترة القادمة، وهذا التحول يعكس وجود رغبة سعودية في تعزيز الاستقرار في المنطقة ومواجهة التحديات التي تفرضها التطورات السياسية المستجدة في الشرق الأوسط.
اقرا أيضاً: ماكرون في زيارة «استثنائية» للسعودية.. ماذا يريد؟