عُقد في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) في الرياض، قبل أيام، المؤتمر الثالث للجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة، حيث ناقش المشاركون، فرص وتحديات قطاع الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى رأسها التوازن بين الموارد التقليدية والاندفاع نحو الطاقة النظيفة وفق التوجه العالمي.
وتطرّق المشاركون، خلال إحدى الجلسات العامة للمؤتمر إلى تأثير المتغيرات العالمية في المنطقة، والتحديات والفرص المتاحة لتحقيق التوازن المطلوب، خاصة في ظل اتجاه إقليمي وعالمي داعم لمستقبل مستدام يتسم بتنوع موارد الطاقة.
ودعمت موارد المنطقة المختلفة التطلعات المنحازة لدور إقليمي قوي جاذب للاستثمارات والتقنيات العالمية الحديثة، بما يسهم في خفض الانبعاثات.
وفي الوقت ذاته، بقي التمويل وتوافر الاستثمارات أبرز التحديات التي تحيط بقطاع الطاقة وعملية الانتقال السلس في المنطقة.
وأشاد المشاركون بدور السعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة في المضي قدماً بخطوات التحول، رغم التحديات التي تعانيها المنطقة.
كما دارت مناقشات حول فرص التحول إقليمياً، عبر التوازن بين الموارد التقليدية للطاقة من جهة، والمستقبل المستدام من جهة أخرى.
وقيّم الحضور قدرة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على قيادة خفض الانبعاثات وتطوير الطاقة المتجددة، خاصة في ظل الموارد المتاحة في المنطقة لأصول النفط والغاز والإشعاع الشمسي والرياح.
ورجّح الخبراء أنه رغم تحديات قطاع الطاقة في المنطقة، فإن هناك فرصاً قوية بدفع عجلة انتقال الطاقة والاستدامة، والنجاح في جذب الاستثمارات الإستراتيجية.
وتطرّقوا إلى دور المنطقة في تعزيز فرص انتقال الطاقة عالمياً، مدعومة بالتقنيات المبتكرة، في ظل سعي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتشكيل مزيج طاقة مرن ومستدام.
من جانبه، أكد رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لاقتصاديات الطاقة، الدكتور ماجد المنيف، أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنقسم في رحلتها للتحول إلى 3 مجموعات.
وقال خلال كلمته في جلسة بعنوان “المشهد الجديد للطاقة العالمية.. التحديات والفرص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، إن هناك مجموعة دول تشكّك في الطاقة المتجددة لصالح موارد النفط والغاز.
وأشار إلى أن هذه الدول أمام تحد لتخليص الصناعة أولاً من الكربون، والاستعداد لتحوّل مستقبلي في قطاع الطاقة (سواء كان انتقالاً بطيئاً أو مستقراً أو متقلباً).
ولفت المنيف إلى مجموعة أخرى من دول المنطقة تملك إمكانات وموارد متجددة، ومجموعة ثالثة (تتضمن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي) تجمع بين تطوير موارد النفط والغاز والطاقة المتجددة.
وتؤدي السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي دوراً مهماً من بين بلدان المنطقة، لضمان عملية انتقال الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتوقّع الدكتور ماجد المنيف أن تواصل دول المنطقة دورها مورداً رئيسياً للنفط والغاز خلال مرحلة تحول الطاقة وما بعدها، في ظل مراعاة الإنتاج ببصمة كربونية وتكلفة منخفضتين.
ورجّح أنْ تواصِل هذه الدول ضخ الاستثمارات في قطاع النفط والغاز وفق معطيات الطلب وأمن الطاقة، دون التخلي عن أصولها أو تعطيل بعضها.
وبالتوازي مع ذلك، تملك دول المنطقة ثروات في قطاع الطاقة المتجددة، تشمل موارد الإشعاع الشمسي، والرياح، بالإضافة إلى المساحات الشاسعة وتوافر التمويل واللوائح المنظمة.
ويتيح تنوّع الموارد استثمار دول المنطقة في النفط والغاز، والطاقة المتجددة، والهيدروجين.
وأوضح المنيف أن دول مجلس التعاون الخليجي تنظر إلى انتقال الطاقة بوصفه بطيئاً ومتقلباً، في رؤية تتوافق مع غالبية الدول المصدّرة للنفط.
واستشهد المنيف بأداء تحالف “أوبك بلاس” الذي يواصل برمجة وضبط إنتاج النفط، في رؤية مستقبلية تؤكد أنه “لا نهاية للخام”، مشيراً إلى أن إطار عمل التحالف يمثّل رسالة من كبار مصدري النفط من الدول الأعضاء لتأكيد دعم انتقال الطاقة، لكن بمعدل “بطيء ومتقلب”.
التحديات.. فرص انتقال الطاقة
بدوره، أكد مدير معهد أكسفورد لدراسات الطاقة الدكتور بسام فتوح أن التكيف مع التحديات ظهر جلياً لدى دول مجلس التعاون الخليجي التي استفادت من مواردها لتعزيز فرص انتقال الطاقة.
وأشار إلى أن المنطقة تشهد تحولات جادة دعمت تطور نظام ومزيج الطاقة، مستشهداً بالتعديلات التي أقرّتها بعض الدول على أسعار البنزين والديزل والكهرباء.
وشدد على أن سياسات تطوير الطاقة المتجددة تتضمن الاستثمار في الكربون، بما يضمن المزيد من الدعم لإنتاج النفط والغاز وبيعهما بأسعار أعلى.
وقال فتوح، إن بعض دول المنطقة طورت السيارات وصناعة الطاقة والبصمة الكربونية، وهناك خطط أخرى للتوسع في احتجاز الكربون وتخزينه
وتطرّق إلى امتلاك بعض دول المنطقة خططاً طموحة لاقتصاد الهيدروجين ومشتقاته، بالإضافة إلى العمل بأرصدة الكربون وتعويضاته.
وأشاد فتوح بقدرة السعودية على النشاط في تعزيز مفاهيم حديثة، مثل الاقتصاد الدائري للكربون، مشيراً إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتمتع بالمهارات اللازمة، والإمكانات، بما في ذلك: الموارد الشمسية، والرياح، والسياسات المواتية، والقدرة على الوصول للأسواق.
في السياق، أشار الدكتور بسام فتوح بأن التطورات التي تشهدها المنطقة في مجال الطاقة المتجددة وتقنياته لا تعني التراجع عن تطوير النفط والغاز، إذ ما زالت الهيدروكربونات مصدراً تكتسب به المنطقة ميزة تنافسية.
ورغم دعوته إلى ضمان حماية الشركات والمستهلك من تداعيات الإصلاحات الجارية في المنطقة، فإن فتوح تمسّك بارتفاع عائدات الاستثمار في قطاع النفط والغاز وتفوقها على قطاعات الطاقة الجديدة الأخرى المتنوعة.
وقال، إنه في حالة الاتفاق على أن النفط والغاز جزء من مزيج الطاقة، فإنه يتعين ضمان تمتعهما بالمرونة في السوق، إذ كانت المنافسة في القطاع تقتصر سابقاً على خفض التكلفة، لكن الآن أصبح من الضروري التركيز على خفض البصمة الكربونية، خاصة لانبعاثات النطاقين 1 و2.
واقترح المزيد من التركيز على احتجاز الكربون وتخزينه، وتقليص الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وتوسعة استعمال الوقود النظيف.
اقرأ أيضاً: جديد السوق السعودية: سيارات كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية