رؤية 2030 إلى أين نقلت المملكة اقتصادياً وصحياً؟ كان انطلاق هذه الرؤية في العام 2016 شرارة للتنمية في كافة المجالات في المملكة، فلم تقف عند حدود الاقتصاد فحسب وكسر نمط الاعتماد النفطي السائد ما قبلها، بل تخطت ذلك بأشواط كبيرة، إذ بلغ، في عام 2023، حجم الاقتصاد السعودي في العام “4” تريليونات ريال.
اقتربت بذلك المملكة من حجز مقعدها ضمن أكبر 15 اقتصاد عالمياً، لكن لم يقف الأمر على بناء اقتصاد الأمة بل تابعت الرؤية مسارها باتجاه تمكين الرعاية الصحية وتحسينها فارتفعت سبة تغطية الرعاية الصحية للتجمعات السكنية بما في ذلك المناطق الطرفية إلى 97,4 % في العام 2024.
فرحلة تسع سنوات من عمر الرؤية ماذا كشفت لنا وبالأرقام عن التطور في كل من قطاعي الصحة والاقتصاد في المملكة.
الاقتصاد السعودي بعد رؤية 2030
بعد هبوط أسعار البترول المفاجأة مع نهاية العام 2015 في السعودية، تحركت السلطة السياسية بشكل سريع في المملكة لكي تعيد هيكلة الاقتصاد السعودي ضمن استراتيجية سميت “الرؤية 2030” وكانت هذه الاستراتيجية إسعافية لإنقاذ اقتصاد البلاد الذي بدأ يتهاوى نتيجة الاعتماد على مصدر اقتصادي رديف واحد بشكل كلي.
لكن بعد طرح الرؤية صعد حجم الاقتصاد السعودي في العام 2016 نحو 60% وبلغ 4 تريليونات ريال في العام 2023 بينما قبل طرح الرؤية كان 2,5 تريليون ريال، وتقدم على إثر ذلك ترتيب الاقتصاد السعودي للمرتبة ال 19 عالمياً في العام 2023 والترتيب المستهدف بحلول 2030 أن يكون أكبر 15 اقتصاد عالمياً.
ونما الناتج المحلي بالأسعار الثابتة منذ انطلاق الرؤية، خمسة أعوام مقابل انكماش ثلاثة أخرى، حيث نما 2,4% و2,8% و0,8% و4,3% و8,7% أعوام 2016 و2018 و2019 و2021 و2022 على التوالي.
رغم انكماشه بشكل طفيف في2017 بـ 0,1%، و4,3% خلال 2020 خلال جائحة كورونا وتهاوي أسعار النفط، وبعدها بالعام 2023 بنحو 0,9% نتيجة تراجع أسعار وكميات إنتاج النفط مع بقاء التزام المملكة بخفض الإنتاج ضمن تحالف أوبك لدعم استقرار الأسواق.
مع تحقق القطاع الخاص هدف 2030 ب مساهمة 45% وهي ذات مستهدفات الرؤية فيما كان خط الأساس 40,3%، في حين تستهدف الرؤية وصوله إلى 65% بحلول 2030.
في عام إعلان الرؤية 2016 كان إسهام الأنشطة غير النفطية 47 % بعدها استقر عند المستوى ذاته في 2017، بينما تراجع إلى 46% في 2018 وهذا تطور طبيعي متزامن مع الإصلاحات المتسارعة.
وعاد للارتفاع مجدداً بنسبة 47% عامي 2019 و2020، حيث بلغ 48% و47% عامي 2021 و2022 بشكل متوالي، ليعاود الصعود إلى 50% خلال 2023، حسب البيانات المقدمة من الهيئة العامة للإحصاء.
ارتفاع إسهام القطاع غير النفطي جاء بفعل دعم رئيسي من القطاع الخاص الذي تعول عليه الرؤية أن يكون قاطرة الاقتصاد وأداة تنويعه الرئيسة، حيث تراوح إسهامه بين 44 و45 % منذ إطلاق الرؤية حتى عام 2022.
وقد تمكنت المملكة من مضاعفة حجم الاستثمارات فوق مستويات ما قبل إطلاق الرؤية عام 2016، ليصل إلى 1,2 تريليون ريال (320مليار دولار) بنهاية العام الماضي 2024، في حين بلوغ حجم الاقتصاد السعودي 4 تريليونات ريال.
حسب ما أفصحت الحكومة مع انطلاق أعمال النسخة الثالثة من منتدى صندوق الاستثمارات العامة والقطاع الخاص 2025، والمعرض المصاحب له، في الرياض.
وقد بلغ إجمالي الإنفاق على المحتوى المحلي عبر (الصندوق) وشركات محفظته بلغ نحو 40 مليار ريال (10,6مليار دولار) خلال الفترة من 2020 إلى 2023، وذلك بدعم من برنامج تنمية المحتوى المحلّي (مساهمة)، الذي أطلق من قبل الصندوق 2023، إلى جانب ارتفاع نسبة المحتوى المحلي في (الصندوق) وشركاته من 47 إلى 53 في المائة.
وفي تصريح لوزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح أفاد: “لقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنسبة 70 في المائة منذ إطلاق برنامج الرؤية ليصل إلى 1,1 تريليون دولار، 50 في المائة منه تعود إلى الأنشطة الاقتصادية غير النفطية”.
مع إشارته إلى: “إن معدلات الاستثمار قبل إطلاق رؤية 2030 كانت تبلغ نحو 642 مليار ريال سنوياً، أي ما يعادل 22 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي”.
ووفقاً للبيانات الأولية للأرباع الثلاثة الأولى من العام الماضي 2024، والتوقعات للربع الرابع، فإن إجمالي الاستثمار سيصل إلى نحو 1,2 تريليون ريال، وهو ضعف حجم الاستثمار قبل إطلاق الرؤية، مع إشارته إلى أن هذا الرقم غير نهائي حتى الآن، وسيكون أكثر أو أقل بنحو 50 ملياراً.
اقرأ أيضاً: بعد تسع سنوات.. إلى أين وصلت السعودية من رؤية 2030؟
الصحة بعد رؤية 2030
متوسط عمر الإنسان في الدولة يقاس عليه مدى رفاهية الشعب وصحته، ومن ذلك انطلقت رؤية المملكة لتصل بمتوسط عمر الإنسان فيها إلى 80 سنه بحلول العام 2030 في حان كان 74، وكان ذلك مترافق مع قطاع صحي متواضع يغطي الاحتياجات ولكنه يحتاج للتحسينات، وكان يصل متوسط الوفيات المبكرة الناتجة عن الأمراض المزمنة في السعودية إلى 90 ألف وفاة بشكل سنوي يقل متوسط العمر المتوقع 5,2 سنة عن المتوسط العالمي.
واليوم وصل متوسط العمر إلى 78 سنة وهذا بدوره لا يعكس واقع الخدمات الصحية فحسب من مستشفيات ومراكز صحية رغم دورها الكبير، بل يعكس جوهر الرؤية الذي يمثل تضافر عمل الحكومة ككل في سبيل رفاهية وصحه المواطن، وبلغت تغطية خدمات الرعاية الصحية في المملكة 96,4 في مناطق المملكة والتجمعات السكانية فيها.
وقد تضمن التقرير السنوي لرؤية السعودية 2030 للعام 2024 استعراض للعديد من المنجزات النوعية التحولية التي ساهم بها برنامج تحول القطاع الصحي الذي يعتبر من أبرز مستهدفات الرؤية.
حيث أشار التقرير لنجاح تطبيق “صحتي” والذي يعتبر نجاح مدوي فقد وصل عدد مستفيديه إلى أكثر من 31 مليون مستفيد عام 2024 هذا ما سهل الاطلاع على نتائج التحاليل الطبية وحجز المواعيد ورفع من كفاءة وعدالة توزيع الخدمات.
وحسب تقارير ارتفعت نسبة تغطية الرعاية الصحية للتجمعات السكنية بما في ذلك المناطق الطرفية إلى 97,4 % في العام 2024، ذلك بفعل الجهود المبذولة من أجل ضمان وصول كل أفراد المجتمع للخدمات الصحية عالية الجودة.
كذلك جرى إدراج مستشفى الملك فيصل التخصصي ضمن 250 مؤسسة صحية أكاديمية حول العالم، وحصل على المرتبة الأولى عالمية في استخدام التقنية الطبية، إلى جانب ريادته الإقليمية وحصوله على المركز العشرين عالمياً.
وقيامه بالعديد من العمليات النوعية كإجراء أول عملية زراعة كبد باستخدام الروبوت، وأول زراعة قلب وبنكرياس بذات التقنية، مع إنتاج أول خلايا تائية علاجية في المملكة لعلاج مرضى السرطان مما خفض تكاليف العلاج بنسبة تصل إلى 80%.
ختاماً، رؤية 2030 منهجية متكاملة ومدروسة، تسعى لتحقيق المستهدف منها بالخط الزمني المرسوم لعمرها وما تحققه على أرض الواقع أكثر، هذه الرؤية ليست مجرد استراتيجية مستدامة فقط بل هي نهضة أمة كاملة ونظرة أمة كاملة لن تتوقف عن التطور والازدهار حتى تبلغ القمم.
اقرأ أيضاً: السعودية تتجاوز الهدف المعلن في رؤية 2030