لم يكن فجر الأربعاء عادياً في المشهد السياسي العربي، حيث أصدرت المملكة العربية السعودية بياناً شديد الوضوح والتأكيد على موقفها الثابت إزاء القضية الفلسطينية، وجاء البيان ليضع النقاط على الحروف، مؤكداً أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو موقف غير قابل للتفاوض أو المزايدة، وأعاد البيان التأكيد على تصريحات الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، التي شدد فيها بشكل لا لبس فيه على أن الرياض لن تسير في أي خطوات تطبيعية مع الكيان الإسرائيلي دون تحقيق هذا الشرط الجوهري.
وشددت الخارجية السعودية في بيانها على رفض أي انتهاك للحقوق الفلسطينية المشروعة، سواء عبر التوسع الاستيطاني أو ضم الأراضي أو محاولات التهجير القسري، وأوضحت أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، الذي ظل صامداً في أرضه رغم العقبات والتحديات المستمرة.
كما أكدت الرياض أن تحقيق سلام عادل ودائم لا يمكن أن يتم دون منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وهو ما تم إبلاغه بوضوح لكل من الإدارة الأميركية الحالية والسابقة.
لم يتأخر الجانب الفلسطيني في الترحيب بهذا البيان السعودي، الذي جاء في أعقاب تصريحات لافتة للرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترمب، في مؤتمر صحفي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث عبّر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن امتنانه العميق للموقف السعودي الذي يدعم فلسطين قولاً وفعلاً، مشيداً بالمساعدات السعودية المستمرة، سواء من خلال الإغاثة الإنسانية لقطاع غزة أو عبر الجهود الدبلوماسية التي تبذلها المملكة لدعم الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.
اقرأ أيضاً: السعودية: نأمل أن ينهي اتفاق غزة استنزاف المنطقة
من جانبه، أشاد حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بالموقف السعودي الذي اعتبره ركناً أساسياً في حماية الحقوق الفلسطينية، وبيّن الشيخ أن حل الدولتين، وفق القرارات الدولية، هو الضمان الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، وهو ما أكدت عليه السعودية مراراً.
المحلل السياسي منيف الحربي سلط الضوء على الثبات التاريخي للموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن الرياض، منذ اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت قبل ثمانية عقود، وحافظت على مبادئها الداعمة للحق الفلسطيني.
وأكد الحربي أن المملكة لم تتراجع يوماً عن دعم القضية الفلسطينية، ولن تسمح بأي تجاوزات من شأنها المساس بهذا الحق، مشيراً إلى أن الفرصة الآن متاحة أمام العالم لدعم الجهود التي تبذلها السعودية، تحت إشراف مباشر من ولي العهد، في سبيل تحقيق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.
ودعا إلى تعبئة المجتمع الدولي لدعم الحقوق الفلسطينية، خاصة بعد أن أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن فلسطين مؤهلة للحصول على عضوية كاملة في المنظمة الدولية، كما لفت إلى أن المملكة، صاحبة القرار السيادي والمستقل، جعلت القضية الفلسطينية من أولوياتها القصوى، مؤكداً أن أي جهود دبلوماسية دولية للتقارب بين الرياض وتل أبيب لن تثمر دون تحقيق الشرط الأساسي المتمثل في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
وحذّر الحربي من أن الحلول العسكرية، وسياسات الضم القسري، وعمليات التهجير لن تؤدي إلا إلى تصعيد الصراع في المنطقة، بينما يُشكل السلام العادل المستند إلى إقامة دولة فلسطينية الحل الأمثل لضمان الاستقرار، مشدداً على أن أي تجاوز لهذه المبادئ لن يؤدي إلا إلى استمرار دوامة النزاعات والعنف المتكرر.
اقرأ أيضاً: السعودية تشيد بالهدنة ووقف إطلاق النار في غزة
أما المحلل السياسي نضال السبع، فقد رأى في البيان السعودي رسالة سياسية واضحة وحاسمة، موجّهة للعالم بأسره، مفادها أن القرار السعودي مستقل ولا يخضع للمساومة، كما دعا إلى موقف عربي وإسلامي موحّد لدعم هذه المبادئ، مشيراً إلى أن المملكة لا يمكن أن تتحمل وحدها مسؤولية الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.
وأكّد السبع أن سرعة الرد السعودي ووضوح مضمونه يعكسان موقفاً حازماً في مواجهة أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، واعتبر أن هذه الرسالة لا تقتصر على الرفض الدبلوماسي فحسب، بل تحمل في طياتها تأكيداً على أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا باستعادة الحقوق الفلسطينية كاملة، وفق قرارات الشرعية الدولية.
ختاماً يشار إلى أن الثقة الفلسطينية بموقف الرياض لم تأتِ من فراغ، بل تعززت عبر عقود من الدعم السياسي والاقتصادي، الذي لم يتأثر بتغيرات المشهد الدولي، ولهذا، يرى المراقبون أن الموقف السعودي سيظل حجر الأساس في أي مساعٍ جدية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني وضمان حقوقه التاريخية.