لا يشبه شهر رمضان في المملكة العربية السعودية أي مكان آخر، ففيها تنبض الأجواء بالروحانية والسلام، ففيها مهد الإسلام وموطن المدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي كل منطقة في السعودية، يتميز شهر رمضان بطقوس خاصة، ومن هذه المناطق نجد جازان التي تستقبل الشهر الكريم بعادات أصيلة من الزمن الجميل.
لا تزال جازان تحتفظ بعادات وتقاليد مميزة في استقبال شهر رمضان المبارك، ومع اقتراب حلوله، تزدحم الأسواق الشعبية، ويتوافد الناس من جميع أنحاء المنطقة لشراء الأواني الفخارية، والحطب، والبهارات التي تضفي نكهة خاصة على الأكلات الشعبية.
استعدادات استقبال شهر رمضان
في البيوت، تبدأ الأسر تجهيز كل شيء لاستقبال ضيفها العزيز، إذ يعدّ هذا الشهر فرصة للتغيير في العبادات والعادات اليومية، ويتجاوز هذا التغيير الروتين ليشمل كل زاوية في المنزل، فتخصص بعض الأسر ركناً خاصاً في المنزل، وتزينه بالأضواء والفوانيس والزينة الرمضانية.
وتتولى المرأة الجازانية دوراً كبيراً في ذلك، فتراها تجدد طلاء المنزل بألوان متناسقة، وتُغير بعض أثاثها، وتجهز “القعادة” بألوان تقليدية كالأحمر والأسود، وتملأ الجرة الفخارية بالماء ليبقى بارداً، ولا تنسى تزيين نفسها أيضاً بعطر النباتات، مثل الفل والكادي والوالة والبعيثران، التي تملأ الأجواء بروائحها الزكية.
اقرأ أيضاً: عادات وتقاليد شهر رمضان في المملكة العربية السعودية
أما شراء ذبيحة رمضان فهي من مهمة الرجال في منطقة جازان، هذه العادة المتأصلة تبدأ في الأيام القليلة التي تسبق الشهر الفضيل، إذ يبدأ الأهالي في الاستعداد من خلال ذبح الخروف، الذي يتم تقسيمه وتغليفه وتجميده لتخزينه، ويُخصص جزء من اللحم لفرمه، ليكون جاهزاً لاستخدامه في إعداد الأكلات اللذيذة.
وفي الخارج، تتحول الأحياء إلى لوحات مضيئة، فتُزيّن الشوارع بالفوانيس المتلألئة والأنوار الساطعة، وتُكتب عبارات ترحيبية بشهر الخير.
ويستقبل الأطفال قدوم شهر رمضان بفرحة غامرة، حيث يملأون الأجواء بأهازيجهم المرحة، ومن الأناشيد الشهيرة، التي يرددها أطفال جازان: “يا رمضان يا رميضاني، وسحورك بر عيساني، يا رمضان يا غايب سنة، وسحورك تحت أم معجنة”.
اقرأ أيضاً: مهرجان عسل جازان 2025 احتفـال بالنكهات والتقاليد
مائدة جازان الرمضانية
ومع بداية الشهر، تفوح من البيوت روائح الأكلات الشعبية فتبدأ ربات البيوت والفتيات في إعداد أشهى الأطباق، وتسعى كل ربة منزل لإبداع أطباقها الخاصة، ومن بين الأكلات يبرز طبق “المغش”، والذي يعدّ في إناء حجري يسمى المغش، حيث يُطهى اللحم والخضار مع البطاطس والكوسة، ويُترك في التنور ليتشرب النكهات لمدة ساعة أو ساعتين، ويقدم هذا الطبق مع الخبز الجيزاني، المعروف بـ “اللحوح”، وهو جزء لا يتجزأ من مائدة الإفطار.
أما “المرسة”، فتُحضّر من البر أو الدخن، يتم تشكيلها على هيئة أقراص صغيرة تُهرس مع الموز وتُضاف إليها السمن والعسل، وتتزين المائدة الرمضانية أيضاً بأطباق متنوعة مثل السمك المعروف بـ”مكشن السمك”، والشربة، والسمبوسة، والزلبية، والمطبق، والفول البلدي، وغيرها من الأكلات التي لا تزال تحافظ على مكانتها رغم مرور الزمن.
وقبل الوجبة الرئيسية، يبدأ الأهالي إفطارهم بتناول التمر والرطب مع الماء المبخر بـ”المستكة”، وعلى السحور، لا يمكن أن تخلو المائدة من “المفالت”، التي تُعدّ من عجين الذرة أو الدخن مع حليب البقر الطازج، وتتنوع بين الحلو والحامض لترضي الأذواق جميعها.
ومن العادات الأصيلة التي لا تزال قائمة حتى اليوم في جازان، تبادل الأطباق الشهية بين الأقارب والجيران، وأيضاً الإفطار الجماعي الذي يقام كل نهاية أسبوع أو كل ثلاثة أيام، وفيه يتسابق الشباب في تقديم الوجبات لكبار السن، في مشهد يمثل قيمة التسامح والتواصل الاجتماعي في أبهى صوره.
وطيلة شهر رمضان المبارك، يحرص أهالي جازان على تبادل الزيارات الحميمية، فبعد صلاة العشاء، يجتمع الكبار والصغار ويتناولون بعض التسالي الشعبية مثل البليلة والبطاط، ويتبادل الرجال الأحاديث وهم يتناولون القهوة الجازانية، وتتزين النساء بنقش الحناء ويرتدين الجلابيات الرمضانية الملونة، ويلعب الأطفال وتكتظ البيوت بأجواء مليئة بالإلفة والمحبة،
ختاماً، إن حالفك الحظ وتمكنت من التعريج على جازان في شهر رمضان المبارك، فستنال فرصة للاستمتاع بأوقات هادئة ومليئة بالسكينة، فهو الوقت المناسب لتجديد الروابط الاجتماعية وإحياء العادات والتقاليد التي غابت عنهم بسبب صخب الحياة المعاصرة وضغوطاتها.
اقرأ أيضاً: أفضل 5 أماكن سياحية في مدينة جازان السعودية