يبدو واضحاً أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال مسرحاً لصراعات قديمة تتجدد برؤى غير تقليدية، ومع دخول الولايات المتحدة مرحلة سياسية جديدة تحت إدارة دونالد ترامب، تبرز أفكار وسياسات تسعى إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وفقاً لمصالح البيت الأبيض.
وفي هذا السياق، يستعد وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، للقيام بجولة دبلوماسية تهدف إلى الترويج لمقترحات غير مسبوقة حول مستقبل غزة، وهي مقترحات أثارت جدلاً واسعاً قبل أن تطأ قدماه المنطقة.
من المقرر أن يبدأ روبيو زيارته للشرق الأوسط في الفترة الممتدة بين 13 و18 شباط/فبراير الجاري، بعد حضوره مؤتمر ميونخ للأمن، وتشمل جولته كلاً من الكيان الإسرائيلي، الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وتأتي هذه الجولة في ظل موجة من الغضب والرفض العربي والدولي لاقتراح الرئيس الأميركي بترحيل سكان غزة مؤقتاً إلى دول مجاورة، مثل مصر والأردن، على أن تتولى إسرائيل إدارة القطاع بغطاء أميركي، في خطوة وصفها ترامب بأنها «ملكية طويلة الأمد» تسعى لإعادة إعمار المنطقة بعد الدمار الذي خلفته الصراعات المستمرة.
وفي محاولة للحد من تداعيات التصريحات المثيرة للجدل، سعى روبيو إلى طمأنة المجتمع الدولي بأن الترحيل المقترح ليس سوى إجراء مؤقت يهدف إلى حماية المدنيين من المخاطر الناجمة عن العمليات العسكرية والذخائر غير المنفجرة، وأكد خلال زيارة لجمهورية الدومنيكان أن إعادة إعمار غزة تحتاج إلى بيئة آمنة، ما يستدعي نقل السكان إلى أماكن أكثر استقراراً لفترة محدودة حتى يتم تجهيز المنطقة مجدداً لتصبح صالحة للعيش.
اقرأ أيضاً: هل تستضيف السعودية قمة مرتقبة بين بوتين وترامب؟
كما أشار إلى أن المقترح الأميركي يشمل أيضاً دعماً اقتصادياً من دول تملك الخبرة والقدرة على تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، داعياً الدول ذات الإمكانيات إلى المشاركة في هذا الجهد.
وفي الوقت نفسه، واصل روبيو دفاعه عن رؤية ترامب عبر تغريدات نشرها على منصة “إكس”، أكد فيها أن «غزة يجب أن تكون خالية من حماس، والولايات المتحدة مستعدة لقيادتها وتحويلها إلى نموذج متطور يعكس الجمال والاستقرار»، مشدداً على أن الإدارة الأميركية تتطلع إلى حل جذري للصراع يضمن استقرار المنطقة.
إلا أن هذا الطرح قوبل بانتقادات لاذعة من عدة جهات، سواء داخل الولايات المتحدة أو من الدول العربية والأوروبية، فبينما اعتبر بعض أعضاء الكونغرس أن هذه السياسة لا تمتلك أي شرعية دولية، رأت دول عربية أن الحل المطروح يتناقض مع الحقوق الفلسطينية ويكرس سياسات التهجير القسري، وهو ما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.
حتى الكيان الإسرائيلي نفسه، الذي يعد المستفيد الأول من الطرح الأميركي، لم يبدِ حماسة كبيرة للفكرة، إذ كانت في السابق قد دخلت في محادثات مع إدارة بايدن لصياغة خطة مختلفة تركز على شكل الحكم في غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية، مع اقتراح دور مشترك للسلطة الفلسطينية تحت إشراف الأمم المتحدة.
اقرأ أيضاً: ردّاً على ترامب: رفض سعودي مباشر لتصفية القضية الفلسطينية
ورغم تصاعد الانتقادات، واصلت الإدارة الأميركية الترويج لمشروعها، معتبرة إياه “عرضاً سخياً” لمساعدة سكان غزة وإعادة تأهيل بنيتها التحتية، إذ وصفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، مقترح ترحيل 1.8 مليون فلسطيني خارج القطاع لفترة مؤقتة بأنه “خيار إنساني” يهدف إلى تأمين حياة كريمة لهم بعيداً عن الدمار.
كما عرضت صوراً للمناطق المتضررة، مؤكدة أن الأوضاع الحالية في غزة لا تسمح بعودة الحياة الطبيعية، وبالتالي فإن أي معارضة للمشروع يجب أن تقترن ببديل عملي وواقعي، لكن هذا الطرح، ورغم ما يحمله من مزاعم إنسانية، يثير مخاوف حول تغير جذري في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، إذ إنه يتناقض مع النهج التقليدي الداعم لحل الدولتين، والذي كان يشكل ركيزة أساسية في الخطاب الأميركي لعقود.
فبينما تتذرع الإدارة الحالية بضرورات إعادة الإعمار، يخشى كثيرون أن تكون هذه الخطوات تمهيداً لفرض واقع جديد يُبعد الفلسطينيين عن أراضيهم إلى أجل غير مسمى، ويفتح الباب أمام تغييرات ديموغرافية وجغرافية قد تعيد تشكيل المنطقة وفقاً لرؤية أحادية الجانب.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يظل مصير غزة معلقاً بين طروحات متباينة، من إعادة إعمار مشروطة، إلى حلول لا تزال مثار جدل بين مختلف الأطراف، وبينما يتحرك روبيو في جولته الشرق أوسطية لترويج المشروع الأميركي، تبقى التساؤلات مفتوحة حول ما إذا كان هذا الاقتراح سيلقى قبولاً، أم أنه مجرد ورقة تفاوضية ستنتهي إلى الرفوف كما حدث مع خطط عديدة سبقتها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
اقرأ أيضاً: هاريس ومستقبل العلاقات السعودية مع البيت الأبيض.. سؤال المرحلة!