في مساء أمس الأربعاء، وسط أجواء سياسية متوترة عالمياً، جرت محادثة هاتفية بين الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهذه المحادثة التي تأتي في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية – الروسية كشفت عن أبعاد جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين وأكدت مجدداً الدور المتنامي للمملكة العربية السعودية في القضايا الإقليمية والدولية.
حملت المكالمة أصداء أمل وسعي مستمر نحو إيجاد حلول سلمية للنزاع الدائر بين أوكرانيا وروسيا، وهو نزاع طال أمده وأثقل كاهل العالم بتبعاته الاقتصادية والإنسانية، وضمن هذا الإطار، ناقش الزعيمان الجهود المبذولة لتهدئة التوترات وحل الأزمة عبر الوسائل الدبلوماسية، وأكّد الأمير محمد بن سلمان خلال الاتصال دعم المملكة للجهود الدولية الرامية إلى إحلال السلام وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
المحادثة لم تقتصر فقط على الأزمة الأوكرانية الروسية، بل تناولت أيضاً سبل تعزيز التعاون الثنائي بين الرياض وكييف في مختلف المجالات، إذ يبدو أن هذه العلاقات تشهد نمواً ملحوظاً، خاصة في ظل توجه المملكة نحو تنويع شراكاتها الدولية وتعزيز دورها كلاعب رئيسي في الساحة العالمية.
ومن خلال هذا الاتصال، أظهرت المملكة اهتماماً خاصاً بتعميق العلاقات الاقتصادية مع أوكرانيا، التي تُعد واحدة من الدول الزراعية الكبرى في أوروبا، وتتمتع بإمكانات هائلة في مجالات التكنولوجيا والطاقة.
اقرأ أيضاً: السعودية وبريكس: محادثاتٌ مع روسيا ولقاءٌ في قلب الهند
المسألة اللافتة للنظر هي أن هذا الحوار يأتي في وقت حساس، حيث تشهد الساحة الدولية تصاعداً في التوترات بين القوى الكبرى، وفي ظل هذه الظروف، تسعى المملكة إلى لعب دور الوسيط الفاعل، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف.
الرئيس زيلينسكي، من جانبه، أعرب عن شكره وتقديره للأمير محمد بن سلمان على الجهود التي تبذلها المملكة لدعم الاستقرار والسلام، وهذه الكلمات تعكس التقدير الدولي المتزايد للدور السعودي، ليس فقط على صعيد الأزمات الإقليمية، بل أيضاً على المستوى الدولي، ومن الجدير بالذكر أن السعودية قد بادرت سابقاً بتقديم مساعدات إنسانية لأوكرانيا، ما يعكس التزامها بتخفيف المعاناة الإنسانية الناتجة عن النزاع.
من جهة أخرى، فإن هذا الاتصال يأتي في إطار سلسلة من الجهود التي تبذلها المملكة لتعزيز حضورها في الساحة الدولية، بما في ذلك السعي لحل النزاعات عبر الحوار والمساهمة في جهود الإغاثة الإنسانية، ويمثل هذا جزءاً من رؤية أوسع تهدف إلى تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والدولية، وجعل المملكة شريكاً موثوقاً به في معالجة القضايا العالمية.
يشار إلى أنه في ظل استمرار النزاع الروسي الأوكراني، شهدت الساحة الميدانية تطورات ملحوظة خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة، ففي منطقة كورسك الروسية، نفذت القوات الأوكرانية هجوماً مفاجئاً عبر الحدود في أوائل أغسطس/آب 2024، متقدمةً نحو 30 كيلومتراً داخل الأراضي الروسية، وهذا التوغل أدى إلى إجلاء ما يقرب من 200 ألف شخص من المناطق الحدودية، بما في ذلك بيلوفسكي وكراسنايا ياروغا، ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الهجوم بأنه «استفزاز كبير».
اقرأ أيضاً: أهم تصريحات الشرع الجديدة عن السعودية والعلاقات معها
في المقابل، عززت روسيا وجودها العسكري في جبهة كورسك بنحو 59 ألف جندي، مع استعدادها لدمج 11 ألف جندي كوري شمالي في العمليات القتالية، والهجمات الروسية المضادة أسفرت عن استعادة 60% من الأراضي التي كانت تحت سيطرة أوكرانيا في المنطقة، كما أطلقت روسيا صاروخ «أوريشنيك» الفرط صوتي لأول مرة، مستهدفةً العمق الأوكراني، في رسالة واضحة إلى الغرب حول قدراتها العسكرية المتقدمة.
على الجانب الأوكراني، تصاعدت الهجمات باستخدام صواريخ بعيدة المدى، حيث أشارت مصادر إلى مقتل 500 جندي كوري شمالي و19 جندياً روسياً في إحدى الهجمات، ورغم ذلك، تواصل كييف مطالبة حلفائها الغربيين بتقديم المزيد من الدعم العسكري، خاصةً في ظل الهجمات الروسية المكثفة على طول خط الجبهة، بما في ذلك مناطق مثل زابوريجيا وسومي.
دولياً، أثار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تكهنات بعد لقائه مع الأمين العام لحلف الناتو، حيث ناقش الطرفان التصعيد بين روسيا وأوكرانيا، ووفقاً لمصادر، يدرس ترامب تعيين ريتشارد غرينل كمبعوث خاص للصراع، وهو خيار قد يثير جدلاً نظراً لمواقفه السابقة الداعمة لحلول وسط في الأزمة.
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، يبقى الوضع في أوكرانيا معقداً ومفتوحاً على سيناريوهات متعددة، مما يتطلب متابعة دقيقة للتغيرات الميدانية والسياسية على حد سواء.