تتربع قرية زُبالا الأثرية شمال المملكة العربية السعودية، وتحمل بين أزقتها آثاراً عمرها أكثر من ألف عام… في هذا المقال سنأخذكم في رحلة قصيرة لاكتشاف أسرار هذه القرية ونقف عند أبرز معالمها وما قاله عنها المؤرخون.
قرية زُبالا الأثرية
على بُعد 25 كيلومتراً جنوب محافظة رفحاء، تقع قرية زُبالا الأثرية وهي واحدة من أعرق قرى منطقة الحدود الشمالية، وأحد مستوطنات درب زبيدة التاريخي، الذي كان يربط الكوفة بمكة المكرمة عبر طريق الحجيج الشهير.
وتعدّ القرية شاهداً حياً على حضارات متعاقبة تعود جذورها إلى ما قبل الإسلام، سكنها في بداياتها العماليق، وهم من العرب البائدة الذين ينحدرون من عمليق بن لوذ بن سام بن نوح، وذاع صيتها في كتب التراث، مثل “معجم البلدان”.
وكانت زُبَالا قبل نحو خمسة قرون، مركزاً مهماً للحجيج والمسافرين، تضم نحو خمسين بيتاً، وفيها حركة تجارة وثقافة قوية، إذ شكّلت همزة وصل بين العراق والحجاز، وبلغت أوج اتساعها وازدهارها في العصر العباسي المبكر، واشتهرت بوفرة مياهها العذبة التي جعلت منها مورداً ثميناً في قلب الصحراء.
أما اليوم فقد تم استبدال مبانيها الطينية بأخرى إسمنتية حديثة، لكنها لا تزال تحتفظ برونقها التاريخي.
اقرأ أيضاً: «قرية الفاو» حكايات تاريخية منسية ترويها الصحراء
قرية تحفظ اسمها وأصالتها
لا تزال قرية زُبالا -أو زُبالة- الأثرية تحتفظ باسمها منذ قرون، وتُسرد حول تسميتها أكثر من رواية تاريخية، وبحسب إحدى الروايات، سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى زبالة بن الحارث، أحد رجال قبيلة العماليق، إذ يقال إنه كان أول من حفر بئرها.
وفي رواية أخرى، يُنسب الاسم إلى زُبالة بن مسعود، وهو أيضاً من العماليق، وهناك تفسير لغوي يُرجع التسمية إلى خصوبة المورد وكثرة مائه، إذ يُقال: “فلان شديد الزَّبْل للقِرَب”، أي قادر على ملء القِرَب بالماء بسهولة، في إشارة إلى وفرة الماء وضبطه في هذا الموضع.
وقد حظيت القرية بمكانة بارزة في كتب التاريخ، حيث ورد ذكرها في كتاب “مدخل إلى الآثار الإسلامية”، كما جاء ذكرها بوضوح في “معجم البلدان” لياقوت الحموي الذي قال عنها:
“زبالة بضم أوله منزل معروف بطريق مكة من الكوفة وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية”.
كما سُجّلت في “معجم ما استعجم”، واحتلت مكاناً في ذاكرة الشعر العربي، إذ أنشد عنها الشاعر الأخطل في أبياته.
كذلك نالت اهتمام عدد من كبار المؤرخين والباحثين المعاصرين، ومنهم العلّامة حمد الجاسر، الذي وثّق موقعها في كتابه “المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية”، لافتاً إلى استمرار وجودها فقال:
“ولا تزال زُبالا معروفة، تقع في وادٍ بهذا الاسم، فيه مورد قصير وبركة”.
كما تناولها الباحث الدكتور سعد الراشد ضمن دراسته المتخصصة بطريق درب زبيدة، إذ خصّها بالذكر في رسالة الدكتوراه التي ركزت على هذا الطريق التاريخي.
اقرأ أيضاً: «قرية آل ينفع» لوحة ألوانها التاريخ وظلالها المستقبل!
آثار قرية زبالا الأثرية
تتناثر في قرية زُبالا الأثرية آثار عظيمة، ومن أبرزها وجود نحو 300 بئر مختلفة الأحجام، تعود إلى أكثر من 1300 عام، واليوم لا يزال نحو خمسين بئراً قائماً، لأن الزمن طمس أغلبها، ومن أشهر هذه الآبار “بئر زُبالا”، أعمق بئر تقع على طريق الحجاج، وقد نُحتت بإتقان في قلب الصخر الصلب والمختلط بصخور قاسية بجهد هندسي رائع.
تتميّز هذه البئر بشكلها المربع المتقن، بفوهة تبلغ 10×10 أمتار وعمق يصل إلى 250 متراً، وتضم بداخلها سلّماً وأماكن مخصّصة للاستراحة، وما يزيد من أهميتها هو ماءها العذب والخفيف، الذي طالما ارتوى منه العابرون، وقد أشرف على حفرها عمرو بن موسى، بأمر من السيدة زبيدة، زوجة الخليفة هارون الرشيد.
أما حصن زُبالا -أو قصر زُبالا- فيقع على مكان مرتفع يطلّ على الآبار القديمة في القرية، ولكن لم يتبقَ منه سوى جدرانه وبعض أجزائه التي بدأت تتساقط مع الوقت… تروى حول هذا القصر قصص كثيرة يشبه بعضها الأساطير، ويعتقد أن الحصن مجوّف من الداخل، ويمكن ملاحظة ذلك عند الوقوف عليه وضربه بالقدم، ويقال إن الحسين بن علي -رضي الله عنه- صلّى في مسجد قريب منه، لكنه لم يعد ظاهراً اليوم.
توجد في القرية كذلك مجموعة من البرك القديمة التي كانت تُستخدم لتجميع المياه، مثل بركة الشاحوف، الشيحيات، وأم العصافير، كما تظهر في المكان بقايا مبانٍ قديمة تدل على وجود مدينة إسلامية كبيرة في ذلك الوقت.
وشهد موقع زبالا عدة عمليات تنقيب أثرية بدأت منذ عام 2015م، ولا تزال هيئة التراث تواصل أعمال التنقيب في أجزاء جديدة من الموقع، وذلك ضمن جهود برنامج درب زبيدة، خاصة بعد العثور على مكتشفات مهمة في الجزء الشمالي الغربي من الموقع… ومن خلال هذه التنقيبات، تم التعرف على مظاهر تطور المدينة وتوسعها، والدور الحضاري الذي لعبته في خدمة طريق درب زبيدة وتسهيل عبوره.
ختاماً، تحمل قرية زُبالا الأثرية بين جنباتها تاريخاً عريقاً وتستحق المزيد من الاهتمام، وبتسليط الضوء عليها والاستثمار في آثارها، يمكن أن تصبح وجهة سياحية رائعة تفتح أبواباً جديدة للتعرف على تراث شمال المملكة وإنعاش حكاياتها القديمة.
اقرأ أيضاً: محمية عروق بني معارض: سحر الصحراء الحيّ!