تتطلع سريلانكا إلى شراكة استراتيجية مع المملكة العربية السعودية، حيث يُنظر إلى هذه الشراكة على أنها خطوة هامة نحو تحقيق التكامل الاقتصادي والتنموي بين البلدين، وتتزامن هذه الجهود مع تفعيل عشر اتفاقيات موقعة بين الطرفين في مجالات متعددة، ما يعزز من فرص التعاون المشترك ويعكس الرؤية الاستراتيجية لكلا الجانبين.
شهدت العلاقات الثنائية بين سريلانكا والسعودية في العام 2023، نقلة نوعية من خلال انعقاد الدورة الأولى للجنة المشتركة بين البلدين، حيث تم الاتفاق على 63 بنداً للتعاون في 20 مجالاً مختلفاً، شملت الاقتصاد، العلوم، الدفاع، التقنية، والثقافة، وقد أشار السفير السريلانكي لدى السعودية، عمر لبي أمير أجود، إلى أن هذه الخطوة تمثل أساساً قوياً للشراكة الإنمائية بين البلدين.
وتعد السعودية شريكاً إنمائياً مهماً لسريلانكا، حيث قدم الصندوق السعودي للتنمية قروضاً ميسرة بلغت قيمتها 1.5 مليار ريال سعودي، استخدمت في تمويل 15 مشروعاً إنمائياً، ومن بين هذه المشاريع، مشروع إمدادات المياه والصرف الصحي في كولومبو، وجسر كينيا، بالإضافة إلى مستشفى كولومبو الوطني ومشاريع تنموية أخرى.
ومع انطلاق «رؤية السعودية 2030»، يتوقع أن يشهد التعاون السعودي السريلانكي تطوراً كبيراً، خاصة في ظل الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ووفقاً للسفير أجود، فإن هذه المناسبة تعد فرصة لاستكشاف مجالات جديدة للتعاون، من بينها السياحة، الزراعة، الأمن الغذائي، الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات، وتُظهر هذه الخطوات اهتماماً متزايداً من كلا الطرفين بتعزيز العلاقات الاقتصادية وتوسيع دائرة الشراكات في مختلف القطاعات.
اقرأ أيضاً: الصين والسعودية: تكامل ما بين «الحزام والطريق» و«رؤية 2030»
هذا وتحتل السعودية مكانة متقدمة في قائمة شركاء سريلانكا التجاريين، حيث تُعد من بين أهم الدول المصدرة والمستوردة للسلع، ففي عام 2023، بلغت قيمة صادرات سريلانكا إلى السعودية نحو 99.9 مليون دولار، في حين وصلت قيمة الواردات إلى 288.84 مليون دولار، وتشمل الصادرات السريلانكية الرئيسية الشاي، منتجات المطاط، الفواكه والخضراوات، الأسماك المجمدة، ومنتجات جوز الهند، بينما تتنوع الواردات بين الزيوت البترولية، الأسمدة، والمنتجات الكيميائية والبلاستيكية.
إضافةً إلى ذلك، تسعى سريلانكا إلى تعزيز صادراتها ذات القيمة المضافة إلى السوق السعودية، والتي تشمل التوابل، الأطعمة المصنعة، المنتجات الزراعية العضوية، والمأكولات البحرية، كما يُتوقع أن تشهد صادرات القطاع الصناعي مثل المطاط، الأحجار الكريمة، الملابس، والخزف مزيداً من النمو في السنوات المقبلة.
وفي زيارة وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي إلى سريلانكا مؤخراً، تم مناقشة إنشاء خريطة طريق اقتصادية تهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات مثل التجارة، الاستثمار، السياحة، والطاقة، فيما تُعد هذه الخطوة بدايةً لمرحلة جديدة من التعاون، حيث تتيح الفرصة لزيادة التفاعل الثقافي والاقتصادي بين البلدين.
وشهد عام 2024 مشاركة عدد كبير من الشركات السريلانكية في معارض دولية في السعودية، مما يعكس الزخم الكبير الذي تشهده العلاقات التجارية بين البلدين، وتشمل هذه المعارض «معرض الرياض للسفر»، «معرض الأغذية السعودية»، و«المعرض السعودي الدولي للحرف اليدوية».
اقرأ أيضاً: أزمة نفط في سوريا والسعودية تتعهد بالحل
وتمتد جذور العلاقات السعودية السريلانكية إلى مئات السنين، حيث لعبت التجارة القديمة دوراً رئيسياً في تعزيز الروابط بين الشعبين، ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1974، تطورت هذه العلاقة بشكل ملحوظ، بدءاً من افتتاح السفارات وتبادل الزيارات بين المسؤولين والبرلمانيين، وصولاً إلى التعاون في المنظمات الإقليمية والدولية مثل حركة عدم الانحياز ورابطة حافة المحيط الهندي.
مع الاحتفال بمرور خمسين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية، تواصل السعودية وسريلانكا جهودهما لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما، ومع وجود أكثر من 200 ألف مقيم سريلانكي في السعودية، وتزايد أعداد السعوديين الذين يزورون سريلانكا للسياحة، تتجلى أواصر الصداقة والتعاون في مختلف المستويات.
وهذه العلاقة ليست مجرد تعاون اقتصادي، بل هي نموذج للشراكة المتكاملة التي تُبنى على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ما يبشر بمستقبل مشرق لكلا البلدين.
اقرأ أيضاً: سريلانكا تفتح أبوابها للسعوديين دون تأشيرة