بظل التقلبات الاقتصادية الكبرى التي يشهدها العالم، تقف المملكة العربية السعودية على أعتاب تحول اقتصادي كبير سيعيد تشكيل ملامح البلاد، إذ تسير المملكة بخطوات مدروسة وملموسة نحو تنويع مصادر اقتصادها بعيداً عن ذهبها الأسود.
وأمام واقع كهذا، لم يستطع صندوق النقد الدولي أن يغض الطرف، بل وقف عند هذه التطورات، وناقشها عبر تقرير متكامل رأى من خلاله أن اقتصاد البلاد يعيش لحظات فاصلة ونوعية، ويمضي بتأنٍ نحو مواجهة تحديات العصر.
اقرأ أيضاً: نمو اقتصاد السعودية يتجه نحو الارتفاع بحسب توقعات صندوق النقد الدولي لعام 2025
وفي التفاصيل، فقد أعلن صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد السعودي يواصل تقدمه بخطوات هائلة نحو التحول الاقتصادي الطموح الذي تتبناه رؤية 2030، ووفقاً لتوقعاته، سيحقق الاقتصاد السعودي نمواً غير نفطي بنسبة 4.4% خلال المدى المتوسط، بدعم من زيادة الطلب المحلي واستثمارات القطاع الخاص.
وعلى الرغم من انخفاض إنتاج النفط وتأثيراته على النمو الكلي، إلا أن الاقتصاد غير النفطي واصل نموه، حيث سجل نسبة 3.8% في عام 2023، وتطّور ليسجل نسبة 4.4% في نهاية الربع الثاني من العام الجاري 2024، وذلك وفق بيانات الهيئة العامة السعودية للإحصاء.
اقرأ أيضاً: قطاع التعدين محوري في جهود التنويع الاقتصادي في السعودية والذهب علامة فارقة
وبالنتيجة توصّل صندوق النقد في تقريره أن النمو الكلي للاقتصاد السعودي سيعود إلى الارتفاع مع إلغاء تخفيضات إنتاج النفط تدريجياً في السنوات المقبلة.
وناقش الصندوق موضوع الدين العام في السعودية، متوقعاً أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 36% بحلول عام 2029، مؤكداً أن هذه النسبة لا تزال أقل من العتبة التي حددتها الحكومة السعودية عند 40%.
كما أشاد صندوق النقد بقوة القطاع المصرفي السعودي، مشيراً إلى أن البنوك المحلية تمتلك مرونة عالية في مواجهة أي صدمات اقتصادية، حتى في ظل الظروف السلبية الشديدة، معزّزاً الثقة في قدرة النظام المالي السعودي على دعم التحول الاقتصادي وتوفير التمويل اللازم للمشاريع الضخمة.
وفي جانب منه، أفاد التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي بتباطؤ التضخم السنوي في المملكة إلى 1.6% في أيار/مايو 2024، مدفوعاً بارتفاع سعر صرف الريال السعودي، وعلى الرغم من تراجع فائض الحساب الجاري إلى 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 بسبب انخفاض صادرات النفط، إلا أن الاقتصاد غير النفطي حافظ على استقراره، ما ساهم في تحقيق التوازن المالي.
اقرأ أيضاً: توقعات النمو في الصناعات الرئيسية في المملكة العربية السعودية
بالتوازي، علّقت المستشارة في الاقتصاد والسياسات العامة في مركز «SRMG-THINK» للأبحاث والاستشارات هزار كركلا على تقرير صندوق النقد، مشيرةً إلى أن المملكة دخلت مرحلة حاسمة في تنفيذ رؤية 2030، وهي مرحلة تقييم الإنجازات والبناء على ما تحقق، وتتضمن هذه المرحلة إعادة ترتيب الأولويات ومواكبة المتغيرات الاقتصادية العالمية، فيما يتطلب نجاح هذه المرحلة تعزيز القطاع الخاص وتوفير بيئة استثمارية جاذبة تساهم في تحقيق أهداف الرؤية من وجهة نظرها.
وأكدت كركلا على ضرورة تطوير استراتيجية تواصل فعّالة مع المستثمرين المحليين والدوليين، لشرح أهمية التحول الاقتصادي الجاري ونتائجه المتوقعة، مشيرةً إلى أن ذلك يعزز ثقة المستثمرين في اقتصاد المملكة ويسهم في جذب المزيد من الاستثمارات التي تساهم في تمويل المشاريع الكبيرة والمساعدة على تحقيق الرؤية الطموحة.
هذا ويشهد الاقتصاد السعودي «تحولاً غير مسبوق» ضمن إطار رؤية 2030، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، وذلك حسب وصف التقرير الذي أكد أن المملكة اتبعت نهجاً استراتيجياً في إعادة معايرة الإنفاق الاستثماري، الأمر الذي أدى إلى تحسين أولويات المشاريع وفقاً لمتطلبات الرؤية.
اقرأ أيضاً: وزارة المالية السعودية تعلن عن الميزانية الفعلية خلال الربع الأول من عام 2024
ومع استمرار التحول الاقتصادي، تواجه المملكة تحديات متعددة، بما في ذلك التقلبات الجيوسياسية والتغيرات في أسعار النفط، إلا أن الرؤية الاستراتيجية التي تتبناها المملكة، مثل إعادة تقييم المشاريع وضبط الإنفاق، تعد أدوات حاسمة لضمان استدامة النمو.
ومن الجدير بالذكر، أن القطاع الصناعي في السعودية شهد تطوراً كبيراً منذ إطلاق رؤية 2030، حيث ارتفع بمعدل نمو بلغ 60%، وازداد عدد المصانع في المملكة من 7206 مصانع في عام 2016 إلى 11549 مصنعاً بحلول عام 2023، مع إجمالي استثمارات تُقدّر بحوالي 1.541 تريليون ريال سعودي، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء السعودية (واس).
فيما تهدف الحكومة السعودية إلى زيادة عدد المصانع ليصل إلى نحو 36 ألف مصنع بحلول عام 2035، مع العمل على مضاعفة حجم الصادرات الصناعية مقارنة بالمستويات الحالية.
اقرأ أيضاً: ارتفاع هائل بعدد المصانع السعودية بعد رؤية 2030