يوماً بعد يوم يزداد الوعي لدى قيادات ومؤسسات الدول على ضرورة الاستثمار في البشر، باعتباره أكثر الاستثمارات ربحية ودوامية على مدى السنين، وليس أجمل من الاستثمار في اللياقة البدنية التي لم تعد وسيلة للترفيه فحسب، بل ركيزة أساسية لتحسين جودة الصحة العامة، ومن هنا انطلقت فاطمة باطوق في رحلتها نحو الاستثمار في اللياقة البدنية، مرتكزة على شغفها بالرياضة ورغبتها في نشر الوعي بأهميتها خصوصاً لدى النساء، حتى باتت أول مدربة لياقة بدنية مرخّصة في السعودية، وأول صاحبة علامة تجارية سعودية لملابس الرياضة للنساء.
عانت فاطمة باطوق في بداية حياتها من الوزن الزائد، فامتثلت لنصيحة الأطباء بضرورة إنقاص وزنها تجنباً للإصابة بمشاكل صحية في مقدمتها السكري، وبدأت بممارسة الرياضة في النوادي الرياضية المخصصة للنساء والمرخصة كصالات تجميل أو مراكز صحية، حتى استعادت وزنها الطبيعي، ليزداد شغفها بهذا المجال مع تعرفها على المزيد من رياضات اللياقة البدنية.
قررت لاحقاً الاستثمار في مجال اللياقة البدنية، ونشر تجربتها بين النساء الأخريات، فأنشأت صالة رياضية صغيرة مخصصة لتدريب النساء في مجالات اللياقة البدنية، إلا أنه تم إغلاق هذه الصالة لعدم وجود قوانين تسمح بافتتاح نوادي رياضية مخصصة بالسيدات.
اقرأ أيضاً: منظومة الرياضات النسائية السعودية من كواليس الهواة إلى منصات الاحتراف والتتويج الدولية
لكن ذلك لم يثنِ فاطمة عن المضي قدماً في مشروعها، فخاضت العديد من التحديات حتى حصلت أخيراً من وزارة الشباب السعودية على أول ترخيص لناديها الرياضي الخاص، حتى افتتحت لاحقاً نادي Studio55 Fitness الذي حرصت من خلاله على جمع مدربات دوليات ذات مهارات عالية من مختلف أنحاء العالم، واستثمار خبرتهن في توفير عدة تدريبات رياضية للنساء السعوديات منها: بيلاتس، زومبا، يوغا وتدريبات القوة.
وفي عام 2017 افتتحت فرعها الثاني في جدة، ومن ثم فرعاً آخر في البحرين، ولما لم تعد الرياضة مجرد هواية لفاطمة، أصرت على نشر الثقافة الرياضية داخل المملكة العربية السعودية، وشاركت في حملات التوعية الموجهة للنساء لتحفيزهن على العناية بصحتهن وارتياد النوادي الرياضية واتباع الأنظمة الغذائية الصحية.
فاطمة باطوق قررت إكمال مشروعها الذي بدأته بخطى متواضعة، إلى أن أصبحت رائدة أعمال سعودية في مجال اللياقة البدنية، فبدأت بتصميم الأزياء الرياضية، وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفيتنام والبرازيل للبحث عن مصانع أقمشة لتصنيع هذه الأزياء، لتطلق TIMA أول علامة تجارية سعودية للملابس الرياضية النسائية في المملكة العربية السعودية، والكويت والبحرين.
اقرأ أيضاً: لينا آل معينا: رائدة الأعمال التي غيرت مشهد الرياضة النسائية في المملكة العربية السعودية
اختارتها مجلة Forbes كأقوى العلامات التجارية في الشرق الأوسط، لتكون من النساء العشرة السعوديات التي تندرج أسماءهنّ على لائحة المجلة، ثم حصلت لاحقاً على جائزة أفضل علامة تجارية رياضية في عام 2015، وفي عام 2021 أصبحت عضواً في المجلس السعودي للتنس.
ومع تحقيق النساء السعوديات تقدماً ملحوظاً في مجال الرياضة النسائية، وبدء مشاركتهن بقوة في الألعاب الرياضية المختلفة داخل وخارج السعودية، باتت ممارسة النساء الرياضة في الأندية والمدارس والجامعات أمراً مألوفاً في المملكة بعد أن كان محظوراً لسنوات، وترى فاطمة أن نقلة نوعية حدثت في الوعي الرياضي بين النساء في السعودية، في ظل المبادرات التي تستهدف من خلالها المملكة جعل اللياقة البدنية ثقافة عامة لدى النساء، إضافة إلى السماح للمدارس بتوفير حصص التربية البدنية للفتيات.
وتتضمن رؤية 2030 السعودية تحسين ولوج الفتيات ميادين الرياضة، من خلال ترخيص المزيد من الصالات الرياضية النسائية ووضع مناهج التربية البدنية في المدارس الحكومية للبنات، وتفعيل البرامج والبطولات والفعاليات الرياضية والمجتمعية النسائية، إضافة إلى توفير المحفزات والتسهيلات اللازمة لمشاركتهن في الميادين الرياضية على المستويين المحلي والعالمي.
وتتطلع فاطمة باطوق لتعزيز هذه الجهود من خلال تحفيز مدربات اللياقة البدنية في الخارج للقدوم على المملكة، ومشاركة خبراتهن مع المدربات السعوديات لتطوير مهاراتهن وإكسابهن مهارات جديدة.
واليوم، وبعد أن انتشرت إنجازات النساء السعوديات في المحافل الرياضية الدولية، لا بد من استذكار كل خطوة مهدت الطريق لهذا التحول النوعي، والامتنان لكل معركة خاضها أصحاب التغيير في وجه المجتمع لفتح كوات جديدة تنطلق من خلالها النساء لإثبات ذواتهن والمشاركة في بناء مجتمعاتهن، ولعل فاطمة باطوق كانت من أوائل الذين تحدوا المجتمع وسعوا لإكساب المرأة السعودية الأدوات اللازمة لتبدع وتنجز، وتثبت للعالم أجمع أنها عنوان للتميز والإبداع.
اقرأ أيضاً: فهدة بنت فهد: الأميرة الأقرب للأطفال ذي الهمم