في زيارة تحمل في طياتها معاني التاريخ والثقافة، قام وزير السياحة السعودي أ. أحمد الخطيب ونائبته صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت محمد آل سعود، مؤخراً، بجولة في مدينة فيد التاريخية شرق حائل، اطلعوا فيها على مقتنيات المتحف الأثري، الذي يعد نافذة على حضارات سابقة، تروي قصصاً غنية عن تاريخ المنطقة.
خلال الزيارة، أبرز الوزير أهمية المتحف كموقع يسهم في تعزيز السياحة في حائل، إذ يضم مجموعة نادرة من المقتنيات الأثرية والنقوش التي تروي حكايات قديمة. وأنّ الاهتمام بهذا الموقع يبرز جهود المملكة في الحفاظ على تراثها الثقافي وتطوير القطاع السياحي، ويجعله وجهة جذابة للسياح من أنحاء العالم كافة.
وأكد وزير السياحة كذلك، أن هذه الزيارة تأتي في إطار تنفيذ استراتيجية الوزارة التطويرية، التي تهدف إلى تلبية كافة المتطلبات اللازمة لتنمية ودعم قطاع السياحة في جميع مناطق المملكة، بما في ذلك منطقة حائل، مشيراً إلى الفرص الواعدة التي تمتلكها حائل، والتي تؤهلها لتصبح إحدى أبرز الوجهات السياحية في المملكة.
كما قدم معالي الوزير شكره لسمو أمير منطقة حائل على دعمه المستمر والمتواصل لقطاع السياحة، وهو ما يسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030.
اقرأ أيضاً: «قرية الفاو» حكايات تاريخية منسية ترويها الصحراء
فيد التاريخية كنز من الماضي
تقع مدينة فيد في الجنوب الشرقي من منطقة حائل، وتعد من أبرز المعالم الأثرية في حائل، إذ تبوأت مكانة مميزة منذ عصور ما قبل الإسلام وحتى بدايات العصور الإسلامية، وتختزن المدينة في جنباتها آثار ونقوش عديدة تزين واجهات الجبال، ومن المدهش أن بعض هذه الآثار الإسلامية تعود لأكثر من 1300 عام.
حتى وقت قريب، لم تكن مدينة فيد التاريخية أكثر من مجرد مجموعة من الأطلال المهجورة، تتناثر فيها الحجارة وبعض الأسوار المدفونة، لكن بفضل جهود الهيئة العامة للسياحة والآثار، انطلقت رحلة التنقيب التي كشفت النقاب عن كنوز تاريخية غنية.
لقد اكتشف الباحثون مجموعة كبيرة من المواقع الأثرية التي تعود إلى عصور قديمة، ما أعاد الحياة لهذه المدينة العريقة، ويشير بعض علماء الآثار إلى أن خراب فيد واختفائها يعود إلى القرن التاسع الميلادي، عندما تعرضت المدينة لهجمات من قبل القرامطة، ما أدى إلى تراجعها واندثارها.
وتبوأت مدينة فيد مكانة مميزة خلال العصر العباسي، هكذا ذكرت المصادر التاريخية، فكانت ثالث أهم مدينة بعد بغداد ومكة، كونها نقطة استراتيجية على طريق الحج القديم، وقد ساهم الانتعاش الذي شهده طريق الحج في ازدهار فيد.
في تلك الحقبة، كانت فيد تضاهي في قيمتها واتساعها مدينتي الكوفة والبصرة، حيث أُطلق عليها لقب «عاصمة الطريق»، إذ كانت بمثابة سوق مفتوحة، حيث يستريح الحجاج ويتزودون بالمؤن اللازمة لرحلتهم.
وقد تناولت كتابات العديد من المؤرخين، مثل ابن جبير وابن بطوطة، وأيضاً مؤلفات بعض الرحالة الغربيين، مدينة فيد التاريخية، ما يعكس أهميتها التاريخية وثقلها الثقافي في تلك العصور، واليوم، تستمر فيد في احتضان تلك الذكريات العريقة، وتظل وجهة مثيرة للاكتشاف.
اقرأ أيضاً: أشيقر.. جوهرة تاريخية و أقدم القرى في السعودية
كنوز مدينة فيد التاريخية
تتألف فيد من أنقاض قصر ضخم وعدد من الهياكل التي يمكن التعرف عليها كقاعات قديمة، بالقرب من المدينة، يوجد متحف يتطلب الحصول على تصريح من الهيئة العامة للسياحة والآثار للوصول إلى كامل الموقع، في حين يمكن للزوار زيارة المتحف فقط بدون إذن.
خلال عمليات التنقيب التي قامت بها هيئة الآثار، عُثِر على كنز أثري ضخم يعود معظمه إلى العصر الإسلامي، تنوعت المكتشفات بشكل مذهل، بدءاً من العملات المعدنية الذهبية والفضية التي تعود إلى العصر العباسي، وحتى أشكال متنوعة من الخزف الصيني والبورسلين، إضافة إلى الأواني الفخارية بأحجام مختلفة.
كما اكتُشِفت مجموعة من القطع النحاسية وأدوات المائدة مثل القدور والمعالق والأباريق والأكواب، إلى جانب أدوات للزينة وخلط المساحيق، والقناديل والمسارج التي كانت تستخدم للإضاءة، إضافة إلى قطع فنية مصنوعة من العاج والحجر الصابوني، تميزت بتصاميمها الهندسية المتقنة وزخارفها المبهرة.
اقرأ أيضاً: جدة التاريخية ترمم أكثر من 200 مبنى
معالم مدينة فيد الأثرية
من المعالم المهمة في هذه المدينة، يبرز سور الحصن، الذي يمتد من الشرق إلى الغرب بطول 115 متراً، يمتاز هذا الحصن بجدرانه السميكة التي تصل إلى مترين وعمق مترين، ويحتوي في الداخل على ثلاثة أبراج نصف دائرية تدعم السور من الخارج، كما يحيط بالسور من الجهة الشمالية خمس وحدات معمارية فريدة، تضم حجرتين وفناء ومدخل، مما يضفي طابعًا مميزًا على هذا المعلم التاريخي.
ويعد قصر خراش الأثري، من أهم الاكتشافات في المدينة، بُني على مساحة تصل إلى 80 متراً في 130 متراً، واستخدمت في تشييده الحجارة السوداء، ويُظهر تصميمه طابعاً دفاعياً، فهو يضم مجموعة من الأبراج الدائرية والنصف دائرية التي تحمي قصر حاكم المدينة.
أما المدينة السكنية ذات البيوت القديمة، فتحتضن أكثر من مئة وحدة معمارية، تشكل أساسات لمبانٍ تعكس تاريخاً عريقاً، ويتناغم في هذه المدينة معمار متكامل مع منشآت مائية، حيث تظهر آثار بئر قديمة على السطح.
في الطرف الشمالي، يمكن رؤية بقايا مبنى ضخم، بينما تمتد أساسات المباني على الضفة الشمالية من وادي فيد، من الجهة الغربية للمدينة السكنية حتى الحصن في الشرق، وتتركز مساكن الأهالي في الجهة الغربية من المدينة الأثرية، حيث تحكي كل زاوية من زواياها قصة من قصص الماضي.
تمتاز المدينة كذلك بوجود أكثر من خمس وأربعين بئراً قديماً تعود إلى الفترة الإسلامية المبكرة، لا يزال بعضها يُستخدم لري المحاصيل حتى اليوم، ومن أهم هذه الآبار، بئر الحمراء وبئر الخيمة وبئر الخويمة.
وتمثل برك زبيدة بالقرب من المدينة، جزءاً من التراث المائي الذي يعود إلى العصور القديمة، تتكون هذه البرك من اثنتين، واحدة مربعة الشكل والأخرى مستطيلة، متصلتين بقناة تمتد عبر سطح الأرض.
في السابق، كانت هذه البرك مصدراً حيوياً للمياه، استفاد منها السكان لري محاصيلهم وتوفير احتياجات دوابه، وإلى جانب برك زبيدة، تتواجد برك أخرى مميزة مثل بركة الساقية وبركة لشفاء وبركة الحويض.
ختاماً، تروي مدينة فيد التاريخية قصصها القديمة حتى اليوم، لتكون جسراً بين الماضي والحاضر، والتراث والسياحة، فإن معالمها الأثرية وتنوع الحضارات فيها تجعلها معلماً سياحياً عالمياً يجذب السياح من أصقاع العالم، للذهاب في رحلة مثيرة عبر الزمن.
اقرأ أيضاً: تسجيل 25 موقعاً تراثياً جديداً في الباحة