في عالم الطاقة المتقلّب حيث ترتبط الأرباح بتحركات الأسواق والقرارات السياسية العالمية، تبرز المملكة العربية السعودية كفاعلٍ اقتصادي لا يُستهان به. وعلى الرغم من الضغوط الدولية وتحديات السوق، تمكنت شركات الطاقة السعودية المدرجة في السوق المالية من تحقيق أرباح ضخمة خلال الربع الأول من العام 2025، ما يعكس مرونة هذا القطاع وقدرته على التكيّف، حتى في ظلّ الانخفاض الطفيف مقارنة بالعام الماضي.
شركات الطاقة السعودية: أداء قوي رغم التراجع
بلغت أرباح شركات الطاقة في السعودية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 نحو 97.76 مليار ريال سعودي، ما يعادل 26.06 مليار دولار، أي بتراجع طفيف نسبته 4 في المئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2024 التي سجلت فيها الأرباح 101.78 مليار ريال. ويُعزى هذا الانخفاض إلى تراجع أرباح شركة «أرامكو السعودية» بنسبة 4.63 في المئة، وهي الشركة الأكبر والأكثر تأثيراً في هذا القطاع الحيوي.
لكن على الرغم من التراجع العام، فإن تحسّن الأداء التشغيلي وارتفاع الكميات المباعة من المنتجات مثل الغاز الطبيعي والمشتقات الكيميائية والخدمات اللوجستية، كان لهما دور محوري في تقليص أثر التراجع. كما ساهم انخفاض التكاليف التمويلية وتحسن أسعار الشحن العالمية في رفع هوامش الربحية.
هذا ويضم قطاع الطاقة السعودي سبع شركات رئيسية: «أرامكو»، «البحري»، «أديس»، «الدريس»، «الحفر العربية»، «المصافي»، و«بترورابغ». وجميع هذه الشركات حققت أرباحاً في الربع الأول باستثناء «بترورابغ» التي قلّصت خسائرها بنسبة كبيرة.
«أرامكو»… القمة لها رغم التراجع!
سجلت «أرامكو» أرباحاً قدرها 97.54 مليار ريال في الربع الأول، على الرغم من انخفاضها مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي حين بلغت 102.27 مليار ريال. وقد عزا محللون هذا التراجع إلى انخفاض أسعار النفط والإنتاج نتيجة التزام المملكة بتوصيات «أوبك بلس»، بالإضافة إلى ارتفاع النفقات التشغيلية.
واحتلت «البحري» المرتبة الثانية بإجمالي أرباح بلغ 532.82 مليون ريال، مسجلة نمواً بنسبة 17.64 في المئة. أما شركة «أديس» فجاءت ثالثاً بأرباح قدرها 196.7 مليون ريال رغم تراجع طفيف بنسبة 2.07 في المئة.
المفاجأة كانت من شركة «الدريس» التي سجلت أعلى نسبة نمو بين جميع الشركات، حيث قفزت أرباحها بنسبة 29.3 في المئة لتصل إلى 100.1 مليون ريال، مقارنة بـ 77.4 مليوناً في الربع الأول من 2024.
اقرأ أيضاً: أرامكو السعودية وتوقيع 43 اتفاقية مع الشركات الأمريكية
تحليل اقتصادي
في تعليقه على هذه النتائج، يرى الدكتور سليمان آل حميد الخالدي، عضو جمعية الاقتصاد السعودية، أن النتائج الحالية تعكس متانة القطاع، بالرغم من التحديات. ولفت إلى أن تراجع أرباح «أرامكو» يرتبط بتقلّب الأسواق العالمية وتراجع أسعار الخام، لكنه لا يُضعف من مركز الشركة أو القطاع عموماً، مشيراً إلى أن النصف الثاني من العام سيشهد ارتفاعاً في الطلب يصل إلى مليونَي برميل يومياً.
ومن العوامل الإيجابية التي يمكن أن تعزز نتائج الربع الثاني من العام، توقيع «أرامكو» نحو 34 اتفاقية تعاون مع شركات أميركية خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة، والتي تبلغ قيمتها نحو 90 مليار دولار، مما يشير إلى تحالفات استراتيجية قد تفتح أبواب استثمار وتكنولوجيا جديدة أمام قطاع الطاقة السعودي.
وبحسب محمد حمدي عمر، الرئيس التنفيذي لشركة «جي وورلد»، فإن تراجع أرباح «أرامكو» أثر على القطاع بأكمله، نظراً لدورها المحوري. وعزا الانخفاض إلى تراجع الطلب الصيني والتوترات التجارية العالمية، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل.
ورغم هذه التحديات، يرى عمر أن المستقبل واعد، مشيراً إلى توسع السعودية في الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي، خاصة مشاريع مثل «الجافورة»، وتنامي الاستثمارات في مجالات الطاقة الشمسية والرياح، ما يعزز من تنويع مصادر الدخل ويقلل من تقلبات الأرباح.
ثقة المستثمرين في أعلى مستوياتها
استمرار سياسة التوزيعات التي تتبعها «أرامكو» يبعث برسائل طمأنينة للمستثمرين، ويعزز من جاذبية القطاع في الأسواق العالمية. ويبدو أن أي تحسن في النمو الاقتصادي العالمي سيؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على الطاقة، مما سيُترجم لاحقاً إلى أداء أقوى وربحية أعلى.
ورغم التراجع الطفيف في أرباح الربع الأول، فإن المؤشرات الاقتصادية، إلى جانب التوسع الاستثماري في مجالات جديدة، تدفع نحو التفاؤل بمستقبل قطاع الطاقة السعودي. فبين ضغوط الأسواق وتحولات الطاقة العالمية، تظل السعودية لاعباً رئيسياً بثقلها المالي واستراتيجيتها البعيدة المدى، في سعيها لتحقيق مزيج متوازن من العوائد المستدامة والتنويع الاقتصادي.
اقرأ أيضاً: تحلية المياه المالحة باستخدام الطاقة الشمسية.. إنجاز فريد في السعودية