في خضم التطور السريع الذي يشهده العالم في مجال التكنولوجيا، تزايدت المخاطر المرتبطة بالتحرش، خاصة في صوره الإلكترونية، وأدركت المملكة العربية السعودية أهمية التصدي لهذه الظاهرة، فقامت بفرض عقوبات قانونية صارمة لمكافحة جريمة التحرش الإلكتروني.
ويعد التحرش جريمة جنائية تخضع لاختصاص المحكمة الجزائية، إذ يحق للدولة معاقبة المجرمين ويدعم القانون حق المجني عليهم في القصاص، ونظام مكافحة التحرش في السعودية، الذي صدر بمرسوم ملكي رقم (م/96) في 16/9/1439 هـ، هو خطوة هامة نحو حماية الأفراد في المجتمع السعودي. ويُعرِّف التحرش بأنه أي إشارة أو فعل أو قول يحمل مدلول جنسي يتوجه نحو شخص آخر، ما يسبب له الأذى أو يخدش الحياء.
أنواع التحرش الإلكتروني
في عصر التكنولوجيا، اتخذ التحرش أشكالاً جديدة، أبرزها التحرش الجنسي عبر الإنترنت، يتضمن ذلك إرسال رسائل غير مرغوب فيها تحمل محتوى جنسي، أو نشر مواد إباحية دون إذن، ما ينتهك خصوصية الأفراد ويعرضهم للإهانة، كذلك هناك ظاهرة التشهير، حيث تُنشر معلومات كاذبة أو مسيئة بهدف تشويه سمعة شخص ما.
ويوجد أنواع أخرى للتحرش الإلكتروني يترتب عليها مخاطر حقيقية، مثل التهديد بالعنف، حيث يتلقى الأفراد تهديدات قد تؤدي بهم إلى حالة من الخوف والقلق، وتعرض حياتهم للخطر، كما تتفشى ظاهرة انتحال الشخصية، أو نشر الصور الخاصة دون إذن.
اقرأ أيضاً: ما عقوبة الاحتيال المالي في السعودية؟
عموماً، جريمة التحرش تتعدى على شرف الإنسان وعرضه، وهي تمثل انتهاكاً لقيم المجتمع بأسره، لذا، تصنف هذه الجريمة كجريمة حق عام، ما يعني أنه يمكن تحريك الدعوى ضد الجاني حتى في حال عدم تقديم المتضرر شكوى أو تنازله عن حقه الخاص، وفقاً للمادة 3 من نظام مكافحة التحرش.
تتراوح العقوبات المقررة لجريمة التحرش الإلكتروني في السعودية من السجن لمدة تصل إلى سنتين، وغرامة مالية تصل إلى 100,000 ريال سعودي، وفي حالات معينة، مثل تكرار الجريمة، قد تصل العقوبة إلى السجن لمدة خمس سنوات وغرامة تصل إلى 300,000 ريال سعودي.
وتُشدد العقوبة في بعض الحالات الخاصة، مثل وقوع الجريمة في أماكن الإيواء أو الرعاية أو العمل أو الدراسة، وإذا كان الضحية فاقداً للوعي أو نائماً، أو إذا كان طفلاً، أو في حالات الكوارث والأزمات، كما يعد وجود سلطة للجاني على الضحية عاملاً مؤثراً في زيادة العقوبة، خاصة إذا كان الضحية من ذوي الاحتياجات الخاصة.
اقرأ أيضاً: عقوبة التزوير في السعودية
كما ينص نظام مكافحة التحرش أيضاً على معاقبة كل من يحرض أو يتفق مع الجاني أو يساعده بأي شكل من الأشكال على ارتكاب جريمة التحرش، بنفس العقوبة التي أُقرّت للجاني، ويُعاقب كل من شرع في ارتكاب جريمة التحرش، ولكن العقوبة هنا لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة.
كذلك، يُعاقب كل من يقدم بلاغاً كيدياً عن جريمة تحرش، أو يدعي زوراً أنه تعرض لها، بنفس العقوبة المقررة للجريمة الأصلية.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل للجزاءات والمخالفات المرورية في السعودية: التدابير الاحترازية
كيفية تقديم بلاغ عند التعرض للتحرش الإلكتروني
إذا تعرضت للتحرش الإلكتروني في السعودية عبر الجوال أو الكمبيوتر المحمول، يمكنك اتخاذ عدة خطوات مهمة للإبلاغ عن هذه الجريمة.
وأهم أمر أن تحتفظ بالأدلة المتعلقة بالتحرش، فإن كانت رسائل يُفضل أخذ لقطة شاشة تُظهر المحادثة مع حذف الأسماء ليظهر الرقم بشكل واضح، ويمكن أن تكون هناك أدلة أخرى مثل تسجيلات كاميرات المراقبة أو التقارير التقنية أو شهادات الشهود الذين شهدوا الواقعة.
بعد ذلك، توجه إلى أقرب مركز شرطة لتقديم البلاغ، هناك، يمكنك عرض الرسائل والأدلة التي لديك، لتسهل عملية التحقيق، وإذا حدثت الواقعة في مكان عام، يمكنك الاتصال بالدوريات الأمنية على الرقم المحلي للطوارئ.
من المهم أيضاً أن تتعاون مع الشرطة بتقديم تفاصيل دقيقة حول الحادثة والشخص المشتبه به، إذا وجدت الشرطة أن هناك أدلة كافية، سيتم إحالة القضية إلى النيابة العامة لمتابعة الإجراءات القانونية.
كيف يؤثر التحرش الإلكتروني على حياة الفرد؟
التحرش الإلكتروني يترك آثاراً سلبية عميقة، مثل مشاعر الغضب والاكتئاب، وصعوبة التركيز، هذه المشاعر السلبية قد تؤدي بدورها إلى تراجع في التحصيل الدراسي، ما يؤثر على المراهقين والأطفال خصوصاً، والذين يعانون من أذى نفسي كبير نتيجة لهذه التجارب.
كما يمكن أن تتسبب رؤية المحتويات غير اللائقة تلوثاً بصرياً، ما يزيد من مشاعر الانعزال والانطوائية، في بعض الحالات، تظهر كوابيس واضطرابات في النوم، إضافة إلى الصداع الذي يمكن أن يكون نتيجة للتوتر النفسي المتزايد.
وللوقاية من التحرش الإلكتروني، يُنصح بعدم فتح الروابط المرسلة من أشخاص لا تعرفهم، وكذلك تجنب التواصل مع الغرباء أو مقابلتهم، وتجنب الدخول في علاقات عاطفية عبر الإنترنت.
من المهم كذلك تعزيز إعدادات الخصوصية والأمان في الحسابات الشخصية على مواقع التواصل، ويُفضل تعطيل خاصية تحديد الموقع الجغرافي، وعدم قبول طلبات الصداقة أو الرسائل من الأشخاص المجهولين، كل هذه الإجراءات تساعد في الحفاظ على الأمان الشخصي وتقلل من فرص التحرش الإلكتروني.
اقرأ أيضاً: الملكية الفكرية في السعودية: كيف تحمي حقوقك الفكرية؟