في عالم الاقتصاد، ليست القرارات الفورية وحدها ما تحكم اللعبة، بل تكمن القوة في الخطوات الاستباقية التي تتجاوز توقعات السوق، وهذا تماماً ما فعلته السعودية التي اتخذت خطوة محورية قبل أشهر من إعلان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن خفض أسعار الفائدة، في حركة يبدو أنها لم تكن مجرد صدفة، بل قراءة صائبة للتوجهات الاقتصادية العالمية.. فماذا فعلت السعودية وكيف استفادت؟
قبل أيام، أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة بمقدار 0.5%، ليصبح النطاق الجديد بين 4.75% و5%، وذلك عبر بيان له قبل أيام، وجاء هذا القرار بعد سلسلة من الزيادات المستمرة في أسعار الفائدة منذ عام 2022 بهدف مواجهة التضخم المرتفع.
ويشير هذا الخفض إلى محاولة لتخفيف الضغوط على الأسواق المالية والاقتصاد الأمريكي الذي بدأ يُظهر إشارات على التباطؤ في بعض القطاعات، خاصةً بعد تراجع معدلات التوظيف وزيادة ديون المستهلكين.
فيما يعدّ هذا الخفض هو الأكبر منذ فترة طويلة ويأتي في وقت حرج حيث يسعى الاحتياطي الفيدرالي إلى تحقيق توازن بين استقرار الأسعار والحفاظ على النمو الاقتصادي، مع التركيز على استقرار النظام المالي في ظل تحديات مثل احتمالات التباطؤ في أسواق العقارات والبنوك الإقليمية.
اقرا أيضاً: الاقتصاد السعودي يسجل نمواً لافتاً في القطاع غير النفطي بنسبة 4.4%
وبطبيعة الحال، فإن القرار الفيدرالي الأمريكي تأثير كبير على الاقتصاد العالمي وجميع الدول التي تربطها علاقات وتعاملات مالية مع أمريكا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، لكن فهم طبيعة التأثير على السعودية، واتجاهه، يتطلب الأمر الرجوع قليلاً إلى الوراء، وتحديداً لشهر تموز/يوليو من العام الجاري 2024.
آنذاك، رفعت السعودية حيازتها من السندات الأمريكية إلى قيمة هي الأعلى منذ 2020، في خطوة توصف الآن بكونها خطوة استباقية لخفض أسعار الفائدة من قبل أمريكا.
فقد زادت السعودية حيازتها من أذونات وسندات الخزانة الأمريكية بنسبة 1.7% بما يعادل 2.4 مليار دولار، لتصل إلى إجمالي 142.7 مليار دولار، وذلك للاستفادة من العوائد المغرية على أدوات الدين الآمنة، خاصة في ظل أعلى معدلات الفائدة منذ أكثر من 20 عاماً.
إذ تمثل السندات الأمريكية جزءاً أساسياً من الأصول الاحتياطية السعودية، وتوفّر لها عائدات ثابتة، وللقرار الأمريكي الجديد فوائد اقتصادية مباشرة وغير مباشرة للسعودية، لاسيما من زاوية الاستثمار في السندات، وذلك لأن القيمة السوقية للسندات القديمة سترتفع.
اقرأ أيضاً: السعودية تعزز الاستثمارات العقارية باتفاقية دولية
فالسندات المشتراة في وقت سابق للخفض، أي عندما كانت أسعار الفائدة أعلى، تصبح الآن أكثر جاذبية للمستثمرين، وذلك لكونها تقدم عوائد أعلى مقارنة بالسندات الجديدة التي تصدر بفائدة منخفضة بعد الخفض.
وبالتالي، المستثمرون الذين يرغبون في عوائد أفضل يتجهون لشراء السندات القديمة، وهذا الطلب المتزايد يؤدي إلى ارتفاع القيمة السوقية لهذه السندات، ما يعني أنه إذا أرادت السعودية بيع سنداتها القديمة التي كانت تقدم عائدات أعلى، فإنها تستطيع الآن بيعها بسعر أعلى من قيمتها الاسمية.
يشار إلى أن السعودية كانت قد شهدت ارتفاعاً مستمراً في استثماراتها في السندات الأمريكية حتى جاءت جائحة «كورونا» التي أدت إلى تقليص الحيازة، لكنها عادت إلى الشراء منذ تموز/يوليو 2023 بشكل متواصل لمدة 12 شهراً.
اقرأ أيضاَ: المملكة العربية السعودية تقود النمو المصرفي في الشرق الأوسط