قد يكون من الصعب في مكان ما خلق إرث ثقافي تتغنى به صفات التاريخ وتتوارثه الأجيال على مدار الزمن، ولكن الأصعب أن تخلق جسراً يربط بين هذه الثقافات، لتبدو كلوحة فسيفسائية، لكل جزء منها جماله الخاص، ولأن اللغة العربية كانت وستبقى من أجمل جسور التواصل بين الحضارات، اختارت الفنانة لولوة الحمود حروفها لتجسد بها لوحات فنية دارت معارض ومتاحف العالم، مخبّرة عما تحمله حضارتنا العربية من جمال.
لولوة الحمود فنانة تشكيلية معاصرة تهتم بالخط العربي، حصلت عام1988 على بكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة الملك سعود، قادها شغفها بالفن إلى الحصول عام 1996 على بكالوريوس في التصميم الجرافيكي والسمعي البصري من الكلية الأمريكية في لندن، لتتوج مسيرتها الأكاديمية عام 2000 بحصولها كأول سعودية على الماجستير من كلية سنترال سانت مارتينز في جامعة الفنون بلندن ببحث متميز في الخط العربي والزخارف الهندسية.
وفي وقت لم يكن فيه الفن يحظى بالاهتمام الذي يناله في الفترة الحالية، تعلمت لولوة قواعد الخط العربي وبحثت بعمق في مجال تطوير اللغة العربية في القرن العاشر الميلادي في الدولة العباسية، لتضع بعدها لمستها الخاصة التي يصعب على الآخرين تقليدها، فراحت تستخدم حروف اللغة العربية في خلق أعمال فنّية ذات تصميم بسيط وثنائي الأبعاد مثل الفرش والحبر والطلاء والورق، جنباً إلى جنب مع برامج الرسومات الرقمية لتطوير أشكال جديدة.
اقرأ أيضاً: أشهر الرسامين السعوديين الذين أسسوا مسار الفن السعودي
شاركت الفنانة التشكيلية السعودية في معارض دولية عديدة في: لندن، كوريا، هونغ كونغ، ألمانيا، الصين، الدوحة، باريس، دبي، نيويورك، سويسرا، بيروت، ودارت لوحاتها متاحف العالم مثل: المتحف البريطاني، متحف لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، متحف القارات الخمس في ميونخ بألمانيا، متحف جيجو للفن الحديث في كوريا، إضافة إلى متحف جرين بوكس بهولندا.
كما اقتنى متحف القارات الخمس في ميونيخ لوحة لها من سلسلة “لغة الوجود”، ومتحف لوس أنجلوس لحوة “سبحان الله”، وكانت الوحيدة المشاركة من منطقة الشرق الأوسط ضمن 36 فناناً في متحف كوريا للفن المعاصر في جزيرة جيجو الذي افتتح عام 2009، إذ اقتنى عملها المشارك آنذاك.
ولما كان الخط العربي يتميز بالجمال والتناسق، ويمتلك كل ما يحتاجه ليغدو عملاً فنياً متكاملاً، تؤكد لولوة الحمود، التي تعمل كمستشارة فنية وخبيرة تصميم هويات للشركات والمتاحف والمعارض والمؤسسات بارزة، على أهمية أن يكون فن الخط جزءاً من عملية تعليم الفنون والتصميم، وهو ما يحتم على كل طالب فنون أن يكون على اطلاع بقواعده ومراحل تطوره، كما تصر الفنانة السعودية على أهمية نشر الوعي حول الحروف العربية والزخارف الإسلامية، بما يمكن من التعريف بالثقافة والهوية الإسلامية في مختلف أرجاء العالم.
ومع كل ما أنجزته الفنانة التشكيلية السعودية على مستوى العالم، تبقى إنجازاتها الوطنية الأقرب إلى قلبها، إذ علقت على وجود لوحة لها في مكتب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى جانب لوحات لفنانين سعوديين آخرين قائلة: “بعد أن تم اقتناء أعمالي من متاحف ومؤسسات عالمية، عرفت ألا شيء يضاهي نجاحك في وطنك وتقدير الدولة لفنك، كم أنا فخورة بلوحتي في مكتب سمو ولي العهد”.
كما صممت الطاولة المستديرة التي اجتمع حولها زعماء دول الخليج ومصر والعراق ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية في قمة جدة للأمن والتنمية، والتي لفتت الجميع بتصميمها الفريد وجمالها الفني.
فازت الحمود بالعديد من الجوائز الثقافية الوطنية المقدمة من قِبل وزارة الثقافة. وتم اختيارها كسفيرة للتصميم في المهرجان السعودي للتصميم، وشاركت تحت رعاية مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) في معرض بينالي لندن للتصميم بدار “سومرست” الأثرية في لندن، كما اختارت منصة Atrum الإلكترونية أعمالها لتدشين نشاط المزايدات الفنية.
ومع مرور الوقت يهيمن التطور التكنولوجي على عالمنا الراهن، ليخلق تحدياً كبيراً يتمثل في الحفاظ على إرثنا الحضاري والثقافي، وخلق جسور التواصل لتعريف العالم به، وحفظه من الاندثار، ولعلنا في هذا المجال أحوج إلى ريشة لولوة الحمود وأقرانها، لجعل الفن العربي مرآة نعكس من خلالها حضارتنا، دون أن ننسى أيضاً الاستفادة مما تقدمه لنا التكنولوجيا لتجديد هذا الفن وتيسير وصوله لمتاحف ومعارض العالم أجمع.
اقرأ أيضاً: افتتاح أول كلية فنون بتاريخ المملكة السعودية.. إليك برامجها وأقسامها