وسط زخم المعلومات المتدفقة في عصرنا الرقمي، قد تتحول الشائعات والمغالطات إلى وقائع إذا لم يُتَحرَّ الدقة في نقلها، وفي المملكة العربية السعودية، أُثير مؤخراً جدل واسع حول مزاعم بارتفاع معدلات الوفيات بين العمال بسبب ظروف العمل، وهو ادعاء تداوله البعض بسرعة، ليواجه بصرامة من قبل «المجلس الوطني للسلامة والصحة المهنية».
إذ كشف المجلس حقيقة هذه الادعاءات وأكد زيفها، مستنداً إلى بيانات موثوقة توضح أن السعودية تتمتع بأحد أدنى معدلات الوفيات المرتبطة بالعمل عالمياً وفقاً لما أورده موقع منظمة العمل الدولية.
يغوص هذا المقال في عمق هذه الحقائق، مسلطاً الضوء على المبادرات الاستراتيجية للمملكة في مجال السلامة والصحة المهنية، والتزامها المستمر بحماية حقوق ورفاهية العاملين، كما يبرز كيف أصبحت السعودية نموذجاً يحتذى به عالمياً في تطوير بيئات عمل آمنة.
في التفاصيل، نفى «مجلس السلامة والصحة المهنية» السعودي صحة ما تداولته وسائل إعلامية حول ازدياد حالات الوفاة بين العاملين بسبب ظروف العمل في المملكة، وأكد المجلس في بيان له أن البيانات المنتشرة لا تعتمد على مصادر موثوقة، مشيراً إلى أن معدل الوفيات الناتج عن ظروف العمل في السعودية لا يتجاوز 1.12 لكل 100 ألف عامل، وهو من بين المعدلات الأقل على مستوى العالم.
وأضاف بيان المجلس أن المنظمة أثنت على التقدم الذي حققته المملكة في تعزيز معايير السلامة والصحة المهنية وتقليل الحوادث والإصابات المرتبطة بالعمل على مستوى البلاد، وأشاد بتقدير السعودية من هيئات دولية أخرى، مثل المعهد الدولي لإدارة المخاطر والسلامة والمجلس البريطاني للسلامة.
اقرأ أيضاً: المؤتمر الدولي لسوق العمل 2025
وأشار مجلس السلامة إلى أن حماية صحة وسلامة العاملين تمثل أولوية قصوى في الأنظمة واللوائح السعودية، مضيفاً أن «رؤية 2030» تركز على الإنسان في كافة مشاريعها وبرامجها التنموية، ومن بينها «البرنامج الوطني الاستراتيجي للسلامة والصحة المهنية» المعتمد منذ عام 2017، الذي يهدف إلى تطوير التشريعات والأنظمة المتعلقة بسلامة العمال في مواقع العمل.
كما ذكر البيان التزام نظام العمل السعودي بإلزام أصحاب العمل بتوفير تأمين طبي شامل يضمن الرعاية الصحية الكاملة للعاملين، وتقنين العمل في أوقات الحر الشديد خلال فصل الصيف، بما يتوافق مع المعايير الدولية التي حددتها اتفاقيات منظمة العمل الدولية.
وفي الختام، دعا «مجلس السلامة والصحة المهنية» إلى ضرورة التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها والاعتماد على المصادر الرسمية والموثوقة.
يشار إلى أنه لا تقتصر الجهود السعودية على النطاق المحلي فقط في هذا المجال، بل تتعداه إلى الساحة العالمية، حيث تسعى المملكة إلى أن تكون مرجعاً دولياً في مجال السلامة والصحة المهنية، ويأتي ذلك من خلال التعاون مع جهات دولية لتبادل الخبرات وأحدث الممارسات.
على سبيل المثال، تعمل السعودية مع منظمات مثل المعهد الدولي لإدارة المخاطر والمجلس البريطاني للسلامة، وأيضاً، جرى تأسيس «مركز الدراسات والبحوث والابتكار في السلامة والصحة المهنية» بالشراكة مع جامعة أم القرى، ويهدف هذا المركز إلى تعزيز مستوى الأبحاث التطبيقية وتطوير تقنيات جديدة تضمن سلامة العمال.
اقرأ أيضاً: حقوق العمال المقيمين في السعودية: دليلك الشامل
علاوة على ذلك، كانت قد أطلقت المملكة عدة مشروعات لتعزيز الصحة المهنية وتنظيم المهن ذات المخاطر العالي، ويشمل ذلك وضع قوائم دقيقة بالمهن الخطرة وإجراء تدريبات مكثفة للعاملين في هذه المهن لضمان استعدادهم للتعامل مع المخاطر.
كما تشمل السياسات تنظيم عملية الإبلاغ والتحقيق في الحوادث المهنية، حيث جرى تطوير نظام لتسجيل البلاغات ومتابعتها بهدف الحد من الحوادث وتحليل أسبابها بشكل منهجي، وهذه الإجراءات بمجملها تساهم في بناء ثقافة السلامة والتوعية بين العاملين وأرباب العمل.
وتأكيداً على التزامها بالمعايير العالمية، استضافت السعودية المؤتمر السعودي الدولي السادس للسلامة والصحة المهنية في أيار/مايو من العام الجاري 2024، وهدف المؤتمر إلى استعراض أحدث الابتكارات التقنية والحلول المتقدمة في مجال السلامة المهنية، وجمع الخبراء الدوليين لمناقشة التحديات والفرص في تحسين بيئات العمل.
اقرأ أيضاً: منصة مساند: بوابة رقمية لخدمات العمالة المنزلية في السعودية