حاوره: محسن حسن
السيد(محمد الفريح) هو عضو اتحاد الناشرين العرب والعضو بمجلس إدارة دار نشر جامعة الملك سعود، وهو متخصص وخبير في إعداد قواعد البيانات المكتبية والجامعية، وأيضاً في نشر وطباعة الفهارس، ومن جهوده وإنجازاته إنتاج الفهرس الشامل لمنشورات جامعة الملك سعود باللغتين العربية والإنجليزية وهو يتكون من مئتين وثمانين صفحة، والإشراف على طباعة فهرس أعضاء الجمعية السعودية للمكتبات والمعلومات، والقيام بتصميم برنامج قاعدة بيانات الملك سعود للنشر، والإشراف على تصميم موقع مكتبة العبيكان، ومباشرة الإشراف على تصميم مؤشر التواصل الأسري ضمن تخصص علوم المكتبات والنشر، إلى غير ذلك من جهود مماثلة على صعيد المعارض الدولية مثل معرض الرياض الدولي للكتاب. وهو يباشر عمله الحالي منذ العام 2009 كمدير لشركة العبيكان للنشر والترجمة، وكمدير إداري لشؤون النشر والترجمة والتعليم بذات الشركة، كما أنه يدير بعض المنصات والمجلات المعرفية، وخاصة الرقمية، مثل (منصة إثراء المعارف الرقمية)، وإدارة التحرير بـــ(مجلة فكر الرقمية)، وله ارتباطات مهمة ومباشرة من خلال عضويته في (جمعية حماية الملكية الفكرية السعودية)، و(مكتبة دبي الرقمية)، و(جمعية الناشرين السعوديين)، و(المرصد السعودي في الترجمة)، وهو إلى جانب ذلك يمتلك رصيداً كبيراً من المؤلفات والكتب منها كتب(فن إدارة المواقف/ النهر الجاري/ خذ الكتاب بقوة/ القوة الهادئة.. غير طريقة تفكيرك يتغير العالم من حولك) وكان قد بدأ مشواره التخصصي والمهني منذ العام 1989 عبر حصوله على درجة البكالوريوس في تخصص الوثائق والمخطوطات من كلية العلوم الاجتماعية قسم المكتبات والمعلومات. وهو من مواليد العاشر من يونيو عام 1966. أرابيسك لندن حاورت الفريح حول أهم المشكلات والحلول الخاصة بقضايا النشر والتأليف والحقوق الفكرية.
أصبحت قضية التأليف والكتابة ثم الطبع والنشر من بين أهم القضايا الثقافية التي تواجه مشكلات عديدة في عالمنا العربي؛ فعلى مستوى المؤلفين والمبدعين، تتعاظم الشكوى المتكررة نتيجة معاناتهم من معوقات النشر والطباعة واستغلال دور النشر لمؤلفاتهم وإبداعاتهم في تحصيل الأرباح والمكاسب والاستئثار بها دونهم، ومن جهة أخرى، يعاني هؤلاء من ضياع حقوق الملكية الفكرية نظراً لعدم توافر القوانين الرادعة للتعديد على هذه الحقوق من قبل الآخرين. وعلى مستوى نوعية الإبداع والكتابة، باتت البيئة الثقافية العربية تعاني خللاً واضحاً في قيمة المحتوى المقروء والمكتوب، وخاصة في أعين الثقافات الأخرى غير العربية، تارة من خلال ضعف حركة الترجمة، وتارة أخرى من خلال ضعف المحتوى الإبداعي، وتارة ثالثة من خلال انتشار نوعية نمطية من الكتابات الهادفة إلى تحصيل الجوائز وفق معايير بعيدة عن اعتماد العمق في التناول والطرح لقضايا الجماهير. وبخلاف هذا، تعاني المكتبات العربية من فصام التواصل والربط بينها وبين المكتبات العالمية، الأمر الذي يفضي إلى انسلاخ الثقافة العربية وبعدها عن الاحتكاك الإيجابي حضارياً ومعرفياً مع باقي ثقافات العالم، وإلى تراجع مستوى المحتوى العربي ضمن سياق حركة الترجمة العالمية والدولية، وفي خضم هذه المشكلات جميعها، تتبلور بيئات ثقافية حاضنة للأفكار السطحية والأيديولوجيا المتطرفة، وخاصة عندما تتسلل بيروقراطية التأليف والنشر والكتابة في أروقة المكتبات الأكاديمية والجامعية، وهو ما يقتضي لفت انتباه صناع القرار، إلى ضرورة إيجاد الحلول المعنية بتجنيب الفئات الجامعية الشابة ما ينجم من أضرار فكرية وتربوية مترتبة على تلك البيروقراطية.
* بداية إلى أي حد أنت راض عن مستوى قانونية بنود الملكية الفكرية سعودياً وخليجياً وعربياً؟
ــــــ على المستوى السعودي والخليجي، تم إحراز تقدم كبير في تحسين قوانين الملكية الفكرية، خاصة مع التوجهات الحديثة نحو دعم الابتكار وتشجيع الاستثمارات الإبداعية، وقد خطت السعودية على وجه الخصوص خطوات إيجابية عبر إنشاء هيئة الملكية الفكرية، والتي تقدم جهوداً ملموسة في هذا السياق. لكن عربياً، هناك تفاوت كبير بين دول المنطقة في التطبيق والتنفيذ؛ حيث تظل التحديات الأكبر متجسدة في ضعف التوعية العامة ومحدودية الردع القانوني.
* برأيك ما نوعية التحديات الكبرى التي تواجهها مجالات النشر والتأليف في جامعاتنا العربية وأيضاً على مستوى المملكة العربية السعودية بشكل خاص؟
ــــــ في واقع الحال نحن بصدد الكثير من التحديات التي نواجهها في هذا الإطار، ولعل أهمها ضعف التمويل والدعم المادي؛ إذ غالباً ما تُترك مسؤولية تمويل الإصدارات للمؤلفين، إلى جانب البيروقراطية؛ حيث تعيق الجامعات والمؤسسات النشر الحر والسريع.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك ضعف ثقافة البحث العلمي والحاجة الماسة إلى تشجيع الأبحاث التطبيقية والنظرية ذات القيمة الحقيقية.
* كيف تنظر لمحور تمويل الكتاب المطبوع في الوقت الراهن؟ ولماذا يجد المؤلف والمبدع نفسه مضطراً لتمويل إبداعه ناهيك عن الإفادة المادية من ورائه؟
ــــــ تمويل الكتاب المطبوع بات عبئاً ثقيلاً على الغالبية العظمى من المؤلفين، وذلك نظراً لارتفاع تكاليف الطباعة والنشر بالتزامن مع ضعف الدعم المؤسسي أو الحكومي، جنباً إلى جنب، مع تراجع مبيعات الكتب المطبوعة لصالح الكتب الرقمية، ومن وجهة نظري قد يكمن الحل في توفير دعم حكومي أكبر أو تفعيل منصات التمويل الجماعي لتعزيز هذا المجال.
* ما تقييمك الخاص لوتيرة الترجمة عن اللغة العربية وإليها؟ ومن أي شيء نعاني عربياً في هذا الإطار؟
ــــــ بالنظر إلى حركة الترجمة عن العربية وإليها، يبدو واضحاً للعيان أن وتيرة الترجمة بطيئة مقارنة بحجم الإنتاج الثقافي العالمي؛ فنحن في الحقيقة نعاني الكثير من المشكلات في هذا الصدد أهمها قلة المترجمين المهرة، وضعف الدعم المالي لمشاريع الترجمة، إضافة إلى غياب الرؤية الاستراتيجية المعنية بترجمة الكتب التي تعكس قوة المحتوى العربي، فمثل هذه المشكلات تؤثر جذرياً على واقع الترجمة عن العربية وإليها، كما تؤدي إلى توسيع الفجوة المعرفية والثقافية بيننا وبين ثقافات العالم.
* ما الذي أتاحه الانفتاح الثقافي والحضاري السعودي حالياً بالنسبة لحركة النشر والتأليف الوطنية؟
ــــــ الانفتاح الثقافي والحضاري السعودي الحالي أتاح الكثير من الإيجابيات على مستوى حركة النشر والتأليف الوطنية، منها تعزيز الإبداع، وظهور دور نشر جديدة، ودعم المؤلفين الشباب، إلى جانب تنظيم معارض دولية تبرز الإنتاج الثقافي والفني والأدبي المحلي أمام أعين الثقافات العالمية والدولية، لكننا بحاجة إلى مزيد من الشراكات المتبادلة مع دور النشر العالمية لزيادة الانتشار.
* ماذا ترى بشأن الرابطة القائمة بين عموم المكتبات العربية بين بعضها البعض من جهة، وبينها وبين المكتبات الدولية الكبرى والعالمية من جهة ثانية؟
ــــــ هذه الرابطة لا تزال ضعيفة، مع استثناءات قليلة، والتحدي الأساسي هو قلة الرقمنة، وغياب منصات موحدة للتواصل وتبادل البيانات. والحل يكمن في تطوير مكتبات رقمية عربية تتكامل مع المكتبات العالمية، فهذا من شأنه أن يعمل على تسهيل التواصل بين مكتباتنا المحلية والإقليمية وهذه المكتبات العالمية.
* ما الذي يمثله لك النشر الرقمي سلباً أو إيجاباً من خلال مجال عملك؟
ــــــ لا شك أن النشر الرقمي له إيجابياته وسلبياته في آن واحد؛ فمن بين إيجابياته سهولة الوصول وقلة التكاليف وديناميكية التفاعل ضمن سياق البيئة الثقافة الواحدة أو البيئات الثقافية المتباينة، وعلى العكس من ذلك، تكمن سلبيات النشر الرقمي في ضعف حقوق الملكية الفكرية، وصعوبة تحقيق دخل مادي للمؤلفين.
ولكني على قناعة تامة بأن النشر الرقمي يمثل فرصة ذهبية لأية منظومة ثقافية تهدف إلى التطوير والتحديث إن تم تنظيمه بشكل يحمي حقوق الإبداع والتأليف والنشر.
* من وجهة نظرك لماذا نحن مقلون عربياً في الحصول على جوائز النشر والتأليف دولياً؟
ــــــ لأن المجال الثقافي العربي لا يزال يعاني من قلة التقدير المالي والثقافي للأعمال الأدبية، وكذلك من غياب الشفافية في معايير اختيار الفائزين، وهنا يكمن الحل في زيادة دعم الجوائز المحلية والدولية لتحفيز المبدعين. .
* من خلال منظورك العلمي والإنساني الخاص، ما الذي تشكله مخاطر الأيديولوجيا المتطرفة تجاه الثروة المعرفية التي تحتضنها مكتباتنا ومؤلفاتنا؟ وما السبيل إلى الحماية والتحصين؟
ــــــ الأيديولوجيا المتطرفة تشكل تهديداً شديد الخطورة لثرواتنا المعرفية فهي تساهم في تدمير الإصدارات الثقافية، وفي تشويه التاريخ والمعرفة، ولا سبيل إلى تحقيق الحماية والحصانة إلا من خلال الرقمنة وتعزيز الوعي الثقافي ودعم المؤسسات الفكرية.
* بأية عين تنظر إلى دور المرأة السعودية الإبداعي والأكاديمي في المرحلة الراهنة؟ وما الذي ينقصها بعد؟
ــــــ المرأة السعودية المعاصرة دورها متصاعد، وقد حققت نجاحات ملحوظة في مجالات البحث والإبداع، ولا ينقصها سوى التمكين الأكبر في المناصب القيادية، مع توفير دعم أوسع لمبادرات المرأة الأكاديمية والثقافية.
* حلم لم يتحقق بعد في حياتك وتتمنى تحقيقه لنفسك ولبلادك.. ما هو؟
ــــــ حلم كهذا يعكس تطلعات شخصية وأخرى وطنية، قد يكون مرتبطاً بإطلاق مشاريع ضخمة تعزز من مكانة السعودية عالمياً في مجال النشر والثقافة.