تشهد الأعمال الإنشائية في معهد الحياة البحرية “كوراليوم”، الواقع ضمن مشروع أمالا على ساحل البحر الأحمر السعودي، تقدماً ملحوظاً مع اقتراب المشروع من مراحله النهائية.
ويهدف المعهد، الموجود في منطقة “تربل باي”، إلى أن يكون مركزاً متخصصاً في أبحاث الحياة البحرية، بالإضافة إلى تقديمه تجارب تعليمية وسياحية للزوار، كما يمثل جزءاً من خطة تطوير أوسع تنفذها شركة “البحر الأحمر الدولية” في المنطقة، والتي تركز على الجمع بين تطوير المرافق السياحية والمحافظة على البيئة البحرية.
أعمال إنشائية متقدمة
وصلت أعمال البناء في المعهد إلى مراحل متقدمة، وتم الانتهاء من معظم عمليات الحفر اللازمة للمشروع، حيث نقل ما يزيد عن 170 ألف متر مكعب من التربة، ويجري العمل حالياً على وضع الأساسات الهيكلية للمبنى، والتي تمتد إلى عمق 12 متراً تحت مستوى سطح البحر، وهي خطوة ضرورية لإنشاء الحوض المائي المركزي الكبير الذي سيضم كائنات بحرية متنوعة.
وخلال مراحل الإنشاء، واجه المشروع تحدياً يتعلق بحماية البيئة البحرية القريبة من جزيرة الحجاز، وللتعامل مع ذلك، تم استخدام حل مؤقت يتكون من حواجز “إيكوباج” (Ecobag) المملوءة بالرمل، وهي عبارة عن حاويات نسيجية مصممة خصيصاً لتوفير حماية ساحلية مؤقتة وصديقة للبيئة.
وتطلب الأمر إعادة تصميم للهيكل المؤقت وتصنيع وتركيب حوالي 23,398 وحدة من هذه الحواجز، بالإضافة إلى توفير التدريب والإشراف للمقاول المنفذ لضمان التركيب الصحيح، لكن هذا الإجراء سمح باستمرار أعمال البناء مع تقليل التأثير على المنطقة البحرية المحيطة.
أقرأ أيضاً: أفضل الشواطئ النسائية في جدة 2025
تصميم المعهد ومرافقه:
صممت شركة “فوستر وشركاه” معهد “كوراليوم” ليكون منشأة متعددة الوظائف تمتد على مساحة 10,340 متراً مربعاً، ويتكون المبنى من ثلاثة طوابق، أحدها فوق مستوى سطح الأرض واثنان دونه، مما يتيح للزوار رؤية بانورامية للبحر الأحمر والمرسى.
واستلهم التصميم الخارجي من أشكال الشعاب المرجانية، وسيتم استخدام الخرسانة المسلحة بالألياف الزجاجية (GRC) لتشكيل الواجهات، وهي مادة خفيفة الوزن تساعد في تحقيق التصميم المعقد، وتغطي المبنى مظلة مركزية تهدف إلى توفير الظل والمساعدة في التهوية الطبيعية.
وسيضم المعهد عند اكتماله مرافق بحثية متقدمة إلى جانب مناطق عرض وتجارب تفاعلية للزوار، ومن أبرز مكوناته حوض مائي مركزي كبير، يخطط لأن يحتوي على شعاب مرجانية صناعية بطول 40 متراً وعمق 10 أمتار، ستعرض كائنات بحرية محلية وتوضح جهود زراعة المرجان التي تقوم بها الشركة المطورة.
بالإضافة إلى ذلك، سيحتوي المعهد على 10 مناطق عرض وتجربة مميزة، تهدف إلى تقديم معلومات عن الحياة البحرية وتوفير أنشطة للزوار مثل استخدام تقنيات الواقع المعزز، والغوص الليلي المراقب، والمشي تحت الماء، وجولات في المختبرات، ورحلات بغواصة صغيرة لاستكشاف البيئة المحيطة.
ويتوقع أن يستوعب المعهد حوالي 650 زائراً في نفس الوقت، موفراً بذلك مزيجاً من التعليم والترفيه المرتبط بالبيئة البحرية، من خلال تقديم منصة للبحث العلمي في مجال الحفاظ على البيئة، وفي الوقت نفسه تقديم تجربة مفيدة وجذابة للزوار المهتمين بعالم البحار.
من النفط إلى السياحة المستدامة
تأتي مشاريع التطوير الكبرى على ساحل البحر الأحمر، ومن ضمنها معهد “كوراليوم” في أمالا، في سياق تحول استراتيجي أوسع تتبناه المملكة العربية السعودية، فمن خلال “رؤية 2030″، تسعى المملكة إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتماده التاريخي على عائدات النفط، يشكل تطوير قطاعات اقتصادية جديدة، مثل السياحة والترفيه.
ونظراً لما يتمتع به ساحل البحر الأحمر من مقومات طبيعية فريدة وشواطئ بكر ومياه صافية غنية بالتنوع البيولوجي، فقد تم تحديده كمنطقة ذات أولوية قصوى لتحقيق أهداف التنويع الاقتصادي وجذب الاستثمارات العالمية.
وتعد وجهتا “أمالا” و”البحر الأحمر“، اللتان تطورهما شركة “البحر الأحمر الدولية” المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، أمثلة رئيسية على هذا التوجه، فهذه المشاريع العملاقة لا تهدف فقط إلى بناء منتجعات وفنادق، بل إلى خلق وجهات سياحية متكاملة تقدم تجارب فريدة تستهدف الشرائح العليا من سوق السياحة العالمي.
ويقع معهد “كوراليوم” ضمن المرحلة الأولى من تطوير منطقة “تربل باي” في أمالا، والتي ستضم عند اكتمالها ثمانية منتجعات توفر أكثر من 1,200 غرفة فندقية، لتكون جزءاً من وجهة أكبر ستشمل آلاف الغرف الفندقية والمساكن والمتاجر والمرافق الترفيهية.
وإن تحويل هذا الساحل إلى وجهة سياحية عالمية يعتمد على تقديم مستوى عالٍ من الجودة والخدمة، ولكن بشكل يميزه عن الوجهات الأخرى من خلال الالتزام القوي بمعايير الاستدامة البيئية، فهذا المزيج بين تطوير مرافق حديثة والحفاظ النشط على البيئة هو جوهر عملية التحول.
فمشاريع مثل “كوراليوم” لا تقتصر على جذب الزوار، بل تعمل أيضاً كمراكز للبحث العلمي والحفاظ على البيئة، مما يضيف قيمة معرفية وبيئية إلى التجربة السياحية، ويتجسد هذا الالتزام في تفاصيل مثل تخصيص مساحات واسعة للنباتات المحلية (أكثر من 40% من موقع المعهد)، وتطبيق أنظمة متقدمة لإدارة المياه والحد من التلوث الضوئي، بالإضافة إلى الجهود المباشرة في زراعة الشعاب المرجانية.
وبالتالي، فإن اقتراب إنجاز معهد “كوراليوم” لا يمثل فقط اكتمال منشأة جديدة، بل هو خطوة ملموسة في تنفيذ خطة وطنية أوسع تهدف إلى بناء مستقبل اقتصادي متنوع ومستدام للمملكة، يكون فيه ساحل البحر الأحمر أحد محركاته الرئيسية.
أقرأ أيضاً: ما هي القطاعات التي تعتمد عليها السعودية في 2025 للابتعاد عن النفط؟