في خضم التحولات العالمية المتسارعة، حيث تتشابك قضايا الطاقة مع التنمية المستدامة ومواجهة تحديات التغير المناخي، تقف الدول العربية أمام منعطف تاريخي جديد، ومن هنا، تتأهب منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول لكتابة فصل جديد في مسيرتها، بقرار يعيد تشكيل هويتها ودورها في خطوة ليست مجرد تغيير اسم أو هيكل، بل هي إعلان واضح عن طموح عربي مشترك لمواكبة المستقبل، حيث تتجاوز حدود النفط والغاز لتفتح آفاقاً واسعة في عالم الطاقة المتجددة والابتكار.
وفي التفاصيل، أعلنت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول عن خطوة محورية في تاريخها، حيث تقرر إعادة هيكلتها واعتماد اسم جديد «المنظمة العربية للطاقة» (AEO)، وجاءت هذه الخطوة بدعم واقتراح من المملكة العربية السعودية، وأُقرت خلال الاجتماع الوزاري الثالث عشر بعد المئة الذي عُقد في الكويت، وتهدف هذه الخطوة إلى مواكبة التغيرات الجذرية التي يشهدها قطاع الطاقة وتعزيز التعاون بين الدول العربية.
وفيما يتعلق بأهداف هذا التغيير ومبرراته، فتسعى الهيكلة الجديدة إلى توسيع نطاق عمل المنظمة ليشمل جميع مصادر الطاقة، بدلاً من الاقتصار على البترول فقط، وهذا التوجه يفتح الباب أمام جميع الدول العربية للانضمام إلى المنظمة، مما يعزز الشراكات الإقليمية والدولية ويصب في خدمة التنمية المستدامة.
ويأتي هذا التغيير في ظل التحولات السريعة التي يشهدها قطاع الطاقة على الصعيد العالمي، فقد طرحت السعودية هذا الاقتراح استناداً إلى المادة 36 من اتفاقية المنظمة، التي تتيح تعديل بنودها بموافقة نصف الدول الأعضاء، ويمثل هذا القرار رؤية استراتيجية تستهدف تمكين الدول الأعضاء من الاستفادة من الفرص التي تتيحها التحولات العالمية في الطاقة، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات المتعلقة بتغير المناخ.
اقرأ أيضاً: تأسيس 3 شركات سعودية يمنية في الطاقة والاتصالات والمعارض
فالتحول الذي يشهده قطاع الطاقة دفع المنظمة إلى تبني رؤية أكثر شمولية وطموحاً، وتشمل هذه الرؤية توسيع اختصاص المنظمة ليشمل جميع مصادر الطاقة، وتعزيز حضورها في المحافل الدولية، وتطوير استراتيجيات لدعم الاقتصاد الدائري للكربون، والعمل على تحقيق مزيج متوازن للطاقة، كما تسعى إلى توطيد التعاون بين الدول العربية لتحقيق التنمية المستدامة.
وتتيح الهيكلة الجديدة لجميع الدول العربية فرصة الانضمام إلى المنظمة، مما يعزز تبادل الخبرات والتعاون في قطاع الطاقة، كما يُبرز الاسم الجديد «المنظمة العربية للطاقة» الأهداف المتجددة للمنظمة، ويعكس شموليتها لكافة مجالات الطاقة التقليدية والحديثة.
وفي إطار هذه التطورات، استضاف مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) مؤخراً المؤتمر الثالث للجمعية الدولية لاقتصاديات الطاقة، وناقش المؤتمر الفرص والتحديات التي تواجه قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيما تركزت النقاشات حول إيجاد التوازن بين استغلال الموارد التقليدية للطاقة والتوجه نحو الطاقة المتجددة.
اقرأ أيضاً: دور السعودية في عملية انتقال الطاقة في المنطقة
وأكد المشاركون في المؤتمر أهمية الموارد المتنوعة التي تملكها دول المنطقة، والتي تتيح لها دوراً إقليمياً مهماً في جذب الاستثمارات العالمية والتقنيات الحديثة، مما يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية، ومع ذلك، يبقى التمويل وتوافر الاستثمارات من أبرز التحديات التي تواجه عملية الانتقال إلى أنظمة طاقة مستدامة.
وخلال الجلسات، تناول الخبراء كيفية تحقيق التوازن بين الموارد التقليدية والمستدامة، مع الإشارة إلى قدرة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على قيادة هذا التحول، أشار الدكتور ماجد المنيف، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لاقتصاديات الطاقة، إلى تقسيم دول المنطقة إلى ثلاث فئات في رحلتها نحو التحول الطاقي:
- دول تركز على الموارد التقليدية مثل النفط والغاز.
- دول تمتلك إمكانات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة.
- دول مثل السعودية تجمع بين تطوير النفط والغاز واستثمار الطاقة المتجددة.
وأشار إلى أن السعودية ودول الخليج تلعب دوراً محورياً في ضمان استقرار عملية التحول الطاقي على المستوى الإقليمي.
ومن جانبه، أكد الدكتور بسام فتوح، مدير معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أن دول الخليج تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز فرص التحول الطاقي. وأشاد بالموارد التي تمتلكها المنطقة، مثل الإشعاع الشمسي والرياح، مما يجعلها وجهة استثمارية واعدة، وأوضح أن التطورات التي تشهدها المنطقة في مجال الطاقة المتجددة لا تعني التخلي عن الموارد الهيدروكربونية، بل الاستفادة منها بطرق أكثر استدامة وفعالية.
هذا وتمثل إعادة هيكلة المنظمة العربية للطاقة بداية جديدة لمرحلة من التعاون العربي في قطاع الطاقة. تسعى هذه المنظمة برؤيتها الجديدة إلى تعزيز الاستدامة والاستفادة المثلى من الموارد المتاحة، مع مواكبة التحولات العالمية في مجال الطاقة.