في كل مجتمع مبدع، يبرز الفن التشكيلي كأحد الأبعاد الثقافية المهمة التي تعكس جوهره وتاريخه، باعتباره لغة بصرية تتجاوز الحدود، وتنسج خيوط التواصل بين الشعوب، حاملةً في طياتها مشاعر وأحاسيس مشتركة، ومن بين الأسماء اللامعة والملهمة في المملكة العربية السعودية، تتألق منال الرويشد في سماء الفن التشكيلي كنجمة ساطعة.
تعد منال عبد الكريم الرويشد رائدة الفن الرقمي في السعودية، فهي فنانة تشكيلية، كاتبة صحفية، ومصممة جرافيك، تؤمن بأن الفن الرقمي يمثل مرحلة جديدة في تاريخ الفن التشكيلي، بدأت رحلتها الفنية منذ صغرها، حيث آمنت بموهبتها وعملت على تطويرها من خلال البحث والدراسة، لتصل إلى ما هي عليه اليوم كنموذج يُحتذى به في عالم الفن.
وتصف الرويشد علاقتها بالمساحة البيضاء بأنها حوار مثير يتضمن أفكاراً ورؤى وأمنيات، تعكس حالات انفعالية تتراوح بين الفرح والحزن.
اقرأ أيضاً: رحيل رائدة الفن التشكيلي السعودي صفية بن زقر
دراسة منال الرويشد وعملها
حصلت الدكتورة منال الرويشد على درجة البكالوريوس في التربية والفنون من جامعة الملك سعود، لتبدأ رحلة طويلة ومليئة بالتفاني في عالم الفنون، نالت بعدها درجة الماجستير في التربية الفنية من كلية التربية للاقتصاد المنزلي والتربية الفنية بالرياض، إذ تخصصت في تصميم الفنون عام 2006، ولم تتوقف طموحاتها عند هذا الحد، بل حققت إنجازاً آخر بحصولها على درجة دكتوراه الفلسفة في التربية الفنية تخصص تصميم من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن عام 2011.
أما مسيرتها المهنية المشرقة، فقد بدأتها كمعلمة للتربية الفنية، وبعدها تطورت لتصبح مشرفة تربوية للتربية الفنية في إدارة تعليم الرياض، وفي عام 2001، انتقلت إلى دور المشرفة التربوية العامة للنشاط غير الصفي، وفي عام 2014، تولت منصب مديرة إدارة النشاط الفني والمهني بوزارة التعليم للبنات، ثم أصبحت مديرة إدارة النشاط الفني والمهني للبنين والبنات.
ومن المحطات المهمة في حياتها المهنية والفنية، أنها كانت من الأعضاء المؤسسين للجمعية السعودية للفنون التشكيلية «جسفت»، حيث شاركت في مجلس إدارتها حتى عام 2017، ثم شغلت منصب رئيس مجلس الإدارة فيها حتى عام 2024، لتُعاد انتخابها لرئاسة المجلس لمدّة أربع سنوات إضافية في نفس العام.
ومنذ دخولها «جسفت» في عام 2017، تسعى منال لنشر الثقافة الفنية وتعزيز الوعي الجمالي في المجتمع، الجمعية بدورها، تهدف إلى نشر ثقافة فنية تشكيلية وطنية ترتقي بالذوق العام في المجتمع، وتعزز من رعاية الإبداع على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية.
لم تتوقف منال عند هذا الحد، بل كانت كذلك من الأعضاء المؤسسين للجمعية السعودية للصحافيين، وعضواً في الجمعية السعودية للإدارة منذ عام 2006، كما انضمت إلى الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية «جستن»، وشاركت في الجمعية السعودية العربية للثقافة والفنون، إلى جانب ذلك، كانت عضواً مؤسساً ورئيساً لمجموعة الفن الرقمي منذ عام 2008، ومن خلالها صعدت لتكون رائدة الفن الرقمي في المملكة.
اقرأ أيضاً: منال الضويان فنانة سعودية تُبدع في كل لقطة!
معارض منال الرويشد
سطع شمس الفنانة التشكيلية منال الرويشد من خلال معارضها الشخصية التي تعكس رؤيتها الفنية الفريدة، ففي عام 2006، قدمت معرضها الرقمي لتصميم أغلفة الكتب الدراسية في كلية التربية للاقتصاد المنزلي والتربية الفنية، متجاوزةً بذلك حدود التقليد لتقديم تجربة فنية جديدة، تلا ذلك المعرض الرقمي الثاني الذي أقيم في الإدارة العامة لنشاط الطالبات بوزارة التربية والتعليم، حيث استمرت في استعراض إبداعاتها.
في عام 2008، أبهرت الجمهور من خلال معرضها الفني الرقمي «يأتي بلا موعد»، الذي حمل في طياته 19 لوحة رقمية تعبر عن مشاعر إنسانية متنوعة تأتي دون سابق إنذار، كالحب والكراهية، السعادة والتعاسة، الرضا والغضب، والنجاح والفشل، في هذا المعرض، تجلت تجربة منال الرويشد في الفن الرقمي، الذي بدأت رحلتها فيه منذ عام 2000، مستخدمةً برامج الرسم والتصميم على الحاسوب لتنتج لوحات تشكيلية تنشط الحركة الفنية بلغة العصر والتكنولوجيا.
وفي عام 2014، عرضت الدكتورة منال الرويشد معرضها المميز «وجد بين الحرف واللون» في جدة، والذي كان بمثابة رحلة فنية تعكس سعيها للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر من خلال دمج الفنون الرقمية مع الشعر.
استلهمت في معرضها هذا لوحاتها من نصوص شعراء عدة ممن لمسوا وجدانها، ما دفعها إلى ترجمة تلك المشاعر إلى فن تشكيلي رقمي، وجمعت عناصر الإبداع لتشكل معنى عميقاً، حيث عبّر الفن عن تدفق العاطفة المرتبطة بالشعر، وخلق تواصلًاً بين الفنون الأدبية والبصرية.
ختاماً، تعد الدكتورة والفنانة منال الرويشد رمزاً سعودياً مهماً للإبداع في الفن الرقمي، فقد تمكنت بخيالها وطموحها من دمج الثقافة والفن بأسلوب مميز دفعها لتكون في مقدمة الفنانين السعوديين الذين يسهمون في إثراء المشهد الثقافي والفني في المملكة.
اقرأ أيضاً: مها الملوح ترسم قصص الطبيعة بلغة الماورائيات