في صباح الرابع عشر من فبراير 2005، وبينما كان العالم مشغولاً بورود الحب وأغنيات العشاق، كان ثلاثة شباب في مرآب بسيط بمدينة سان ماتيو يرسمون ملامح المستقبل الرقمي دون أن يعلموا. لم يكن ستيف تشين Steve Chen وتشاد هيرلي chad meredith hurley وجاويد كريم Jawed Karim يبحثون عن مجد، بل عن حل لمشكلة بسيطة: كيف يمكن مشاركة مقاطع الفيديو عبر الإنترنت بسهولة؟ وما بدأ كفكرة صغيرة، تحول لاحقاً إلى ظاهرة غيرت وجه الإعلام والثقافة إلى الأبد.
وبينما انتشر «يوتيوب» عبر العالم، كانت المملكة العربية السعودية تجهز نفسها لتصبح أحد أنشط وأهم الأسواق لهذه المنصة العملاقة.
السعودية ويوتيوب: من متفرج إلى صانع تأثير
مع تسارع التطور الرقمي وتحسن البنية التحتية للإنترنت، برزت السعودية كلاعب رئيسي في مشهد «يوتيوب» الإقليمي والعالمي. فمنصة الفيديو العملاقة لم تعد مجرد وسيلة للترفيه، بل تحولت إلى محرك اقتصادي وثقافي في المملكة.
ووفقاً للبيانات الحديثة، ازداد عدد القنوات السعودية التي تحقق إيرادات تفوق مليون ريال سنوياً بنسبة 40 في المائة، ما يعكس نمواً لافتاً في اقتصاد المبدعين. وخلال لقاء خاص مع صحيفة «الشرق الأوسط»، وصف نيل موهان Neal Mohan، الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب»، المملكة بأنها واحدة من «أكثر الأسواق حيوية وتأثيراً ثقافياً على مستوى العالم»، مشيداً بالمبدعين السعوديين الذين باتوا يصدرون ثقافتهم محلياً وعالمياً.
ومع أن «يوتيوب» لم يؤكد بعد خطط إنشاء مركز إقليمي في السعودية، إلا أن المنصة أطلقت مبادرة «مجموعات المبدعين» لتعزيز الترابط بين صنّاع المحتوى، مما يدل على اهتمام بالغ ببناء مجتمعات إنتاجية مستدامة داخل المملكة والمنطقة.
دعم ممنهج وتوسّع استراتيجي
وفي حديث له، أوضح جافيد أصلانوف Javid Aslanov، رئيس «يوتيوب» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن «يوتيوب» أصبح جزءاً من «النسيج الرقمي والاجتماعي» في السعودية، مستعرضاً ثلاث ركائز أساسية للاستثمار: الابتكار في المنتج، بناء القدرات، وتحقيق الدخل.
وشهدت السعودية أيضاً نمواً في اعتماد المشاهدة عبر التلفزيونات الذكية، حيث وصل «يوتيوب» في مايو 2024 إلى أكثر من 12 مليون شخص عبر شاشات التلفزيون المتصل بالإنترنت، مما يعزز تجربة المشاهدة المتعددة الصيغ التي تروج لها المنصة.
يوتيوب: البداية من مرآب… والنهاية مفتوحة!
أما قصة «يوتيوب» كمنصة عالمية، فهي واحدة من أعظم قصص النجاح في العصر الرقمي. من مقطع بسيط صوّره جاويد كريم أمام حظيرة فيلة في حديقة سان دييغو عام 2005، إلى استحواذ «غوغل» عليه مقابل 1.65 مليار دولار في 2006، انطلقت المنصة إلى العالمية مدفوعة بدعم مالي وتقني غير مسبوق.
بمرور الوقت، تحول «يوتيوب» من مجرد مكان لمشاركة الفيديوهات، إلى منصة اقتصادية، إعلامية، ثقافية، وتعليمية كبرى. وبفضل برنامج «شركاء يوتيوب»، بات بإمكان المبدعين تحقيق دخل مستدام من خلال الإعلانات، التمويل الجماهيري، والاشتراكات عبر «يوتيوب بريميوم».
واليوم، تعد السعودية واحدة من أسرع الأسواق نمواً للمبدعين على المنصة، مع دخول مبادرات مثل «يوتيوب شورتس» و«دريم سكرين» لتعزيز تنوع المحتوى وزيادة فرص الانتشار.
اقرأ أيضاً: «حرب التطبيقات» تشعل سوق التوصيل في السعودية.. ماذا عن المستهلك؟
الذكاء الاصطناعي: الثورة المقبلة في تجربة يوتيوب
في إطار سعيه الدائم لتطوير أدواته، يعتمد «يوتيوب» بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتقديم مزايا مثل الدبلجة التلقائية، تلخيص الفيديوهات، وإنشاء صور مصغرة وعناوين ذكية تلقائياً. ومن خلال منصات مثل «إنسبيرايشون» و«دريم سكرين»، بات صناع المحتوى يملكون أدوات جديدة للإبداع والوصول إلى جماهير عالمية.
ختاماً، من مقطع مدته 19 ثانية إلى مليارات الساعات من المشاهدة يومياً، أثبت «يوتيوب» أنه أكثر من مجرد منصة. ومع تصاعد دور السعودية كلاعب رئيسي على هذه المنصة، يبدو أن السنوات المقبلة ستشهد مزيداً من الابتكار، النمو، وقيادة التأثير من قلب العالم العربي نحو العالم بأسره.
المصادر