يزدحم سجل الفضاء الدولي بعدد من الأسماء اللامعة، لكن من بين هذه الأسماء عدد من الشخصيات العربية الطموحة والمميزة، التي حملت مسيرتها ملامح مميزة جعلت وصولها إلى الفضاء أمراً غير مستغرب، ليبقى السؤال، من هو أول رائد فضاء سعودي؟
الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، هو أول رائد فضاء في السعودية منذ العام 1985، ومؤسس فقه ارتياد الفضاء، الذي يتضمن فتاوى خاصة بأوقات الصيام والصلاة، ومن المفارقات الغريبة التي عايشها رائد الفضاء السعودي الأول، طلوع الفجر عليه 16 مرة خلال الـ24 ساعة، لاسيما أن رحلته كانت خلال شهر رمضان المبارك، فأصدر فتوى بامتصاص معجون السلطعون كإفطار للصائم، وقامت ناسا بتثبيت حلقتين في الحائط لتثبيت قدمي الأمير أثناء الصلاة بسبب انعدام الجاذبية في الفضاء.
تمتع الأمير الشاب سلطان بن عبد العزيز بشخصية فريدة، جعلته الخيار الأمثل للرحلة الفضائية، ليكون أول عربي مسلم يصعد الفضاء، كان عمره وقتها 28 عاماً، رشحته المنظمة العربية للاتصالات الفضائية للمشاركة في الرحلة الفضائية، وهو طيار مدني يحمل رخصة قيادة تجارية، وفي رصيده ألف ساعة طيران.
أما دراسته فكانت البكالوريوس في الآداب في وسائل الإعلام من الولايات المتحدة الأمريكية، وحاصل على الماجستير في العلوم الاجتماعية والسياسية من كلية ماكسويل للمواطنة والشؤون العامة، وحملت أطروحته في ذلك الوقت عنواناً هاماً عكس عمق شخصيته البحثية، وهو التحول القبلي والبناء الوطني في التجربة السعودية.
الأمير من مواليد الرياض في 27 يونيو 1956 وجمع منذ بداياته الأولى حب الطيران والاهتمام بالسياسة، ما أوصله ليكون أول رائد فضاء عربي مسلم في رحلة ديسكفري الفضائية مهمة 51 جي في عام 1985.
إقرأ أيضاً: ريانة برناوي: أول رائدة فضاء سعودية ومتخصصة في أبحاث الخلايا الجذعية
أما المرحلة التي سبقت الرحلة، فهي خضوع الأمير الشاب والمتحمس لعدد من التدريبات التي منحته الخبرة الكافية للصعود إلى الفضاء، ومن بينها كيفية إطلاق القمر الصناعي عربسات، والتقاط صور للتضاريس الجيولوجية لشبه جزيرة العرب من الفضاء باستخدام كاميرا “هاسلبلاد – 500”.
ليأتي اليوم الموعود في الـ29 رمضان 1405هـ الموافق 24 يونيو 1985م، انطلق المكوك الفضائي ديسكفري على مرأى حشد غفير من الشخصيات الهامة، معلناً عن ولادة تاريخ جديد في أبحاث وكشوف الرحلات الفضائية، ففي هذا اليوم انتقل العرب والمسلمون من مراقب لأخبار الفضاء والتقدم التقني إلى مشارك فيها.
وكانت أجندة الرحلة الفضائية عامرة بالإنجاز، ففي اليوم الأول تم نشر الأقمار الصناعية للبث التلفزيوني، وفي اليوم الثاني أطلقت البعثة القمر الصناعي العربي، وفي اليوم الثالث بدأت تجارب طبية نفذها كل من الأمير سلطان وزميله الفرنسي “باتريك بودري” والتي اهتمت بدراسة أعضاء الجسد البشري في حالة انعدام الجاذبية والتوازن، من خلال رصد سلوكها في إطار تجربة طبية تلقوا التدريب عليها.
واستمرت الرحلة لحين عودتها بعد تحقيقها لكافة الأهداف التي صممت من أجلها، وحظي الأمير سلطان عند عودته إلى الرياض في الـ11 من يوليو 1985، باستقبال شعبي ورسمي حافل، لكونه قدّم إجابة أفحمت العالم حول من هو أول رائد فضاء سعودي.
ويجدر بالذكر أنّ الرائد العربي الاحتياطي للأمير سلطان كان عبد المحسن البسام، وكان عمره وقتها 37 عاماً، وهو خريج كلية الملك فيصل الجوية بالرياض، وفي رصيده 2,600 ساعة طيران حربي، وهو من مواليد مدينة الخبر بالمملكة العربية السعودية.
وبالعودة للأمير سلطان بن عبد العزيز فهو شخصية فريدة بكل ما للكلمة من معنى، ومن جملة إنجازاته في السعودية تأسيس عدد من الأندية الاجتماعية والمبادرات الخيرية المتصلة بعلوم الطيران، إضافة لكونه حائزاً على عدد من الجوائز والتكريمات الدولية، وعلى الجانب الأسري هو متزوج من الأميرة هيفاء بنت سعود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، وله منها ولد وابنتين هم؛ الأمير سلمان بن سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والأميرة سحر والأميرة هلا.
وفي الختام تجدر الإشارة إلى أنّ رحلة الأمير سلطان ألهمت الكثيرين حول العالم، ليس فقط لأنه أول رائد فضاء سعودي عربي، بل لأنه استطاع أن يجمع ما بين العلوم الفضائية والطيران والمجتمع دون أن ينسلخ عن هويته العربية، فقدم نموذجاً في الأصالة والإقدام على خوض غمار التجارب الجديدة بخطوات بسيطة مدروسة ولكنها مدعومة بالاجتهاد والإيمان بضرورة تحقيق إنجاز لوطنه والأمة.