بات معروفاً عن النساء السعوديات أنهن رمز للإلهام والقوة، إذ يواصلن تحطيم الحواجز التقليدية وتحقيق النجاحات في المجالات المتنوعة، من الفنون إلى العلوم، ومن الأعمال إلى الرياضة، تسطع إنجازاتهن كدليل على التغيير الذي يشهده المجتمع السعودي يوماً بعد يوم.
نوف المروعي هي إحدى هؤلاء النساء الملهمات التي تجسّد إرادة الحياة، إذ تمكنت بصبر وثبات التغلب على مرض الذئبة الحمراء، فمنذ 26 عاماً، بدأت رحلتها مع هذا المرض المناعي، الذي يهاجم جهاز المناعة خلايا وأعضاء الجسم، ويشمل تأثيراته الجلد والمفاصل والقلب والرئتين والكلى.
لكن نوف اختارت طريقاً مختلفاً عن العلاجات التقليدية وخرجت عن المألوف، فقد اعتمدت على رياضة اليوغا كوسيلة للتعافي، بعيداً عن الأدوية والمسكنات، بالفعل استقرت حالتها الصحية بفضل ممارستها المنتظمة لليوغا، مُبرهنةً أن القوة الداخلية والالتزام يمكن أن يحدثا فرقاً كبيراً في مواجهة التحديات.
اقرأ أيضاً: سارة السحيمي أول امرأة تترأس السوق المالية السعودية
«الذئبة» مرض مناعي ذاتي، ويُشير اسمه إلى الطفح الجلدي المميز الذي يشبه شكل الفراشة، وهو ما يعكس طبيعة هذا المرض، ومع ذلك، فإن نوف، مثل الفراشة، أثبتت أنها قادرة على التحليق والانتصار على الظروف الصعبة، لتكون مصدر إلهام للكثيرين.
وكأول رئيسة للجنة السعودية لليوغا، تقول نوف المروعي: «أمارس أنواعاً متعددة من اليوغا، مصحوبة بموسيقاي المفضلة، مثل يوغا الفينياسا التي تنسق بين التنفس والحركة، إضافة إلى الهاثا يوغا وتقنيات أخرى، تحت إشراف طبيب مختص».
وتشير إلى أن تجربة اليوغا كانت حاسمة في تجاوز نوبات القلق والاكتئاب التي واجهتها عند تشخيص مرضها في سن 18 عاماً، وحينها استبدلت مضادات القلق بممارسة اليوغا، التي ساعدتها في تقليل مشاعر التوتر والتخفيف من آلام الهجمات، تقول نوف: «الذئبة الحمراء مرض التهابي مزمن، تنشط هجماته مع تغير المواسم، وقد تؤدي إلى الفشل الكلوي وتلف الأعضاء، لكن بفضل التقنيات المتنوعة، وخاصة اليوغا التأهيلية، تمكنت من الوصول إلى مرحلة من الاسترخاء والتأمل، مع التركيز على تمارين الإطالة والتنفس».
تستكمل سرد رحلتها العلاجية قائلة: «ساعدني إتقاني لتمارين مختلفة في التحول بين أنواع اليوغا وفقاً لحالتي، خلال نوبات المرض، أتحول إلى اليوغا البطيئة المدعمة، خاصة في حالات التيبس في المفاصل أو تصلب العضلات».
ودفعت تجربة نوف المروعي، إلى بذل جهود حثيثة لنشر اليوغا كوسيلة للتنمية والسلام في المجتمع، وتقول: «نسعى لأن تعبر اليوغا عن السلام بين الشعوب، وأن تُروج للصحة والعافية، من أجل تعزيز الصحة العقلية ورفاهية الأفراد نفسياً وجسدياً».
اقرأ أيضاً: فاطمة الحربي أفضل امرأة بالعالم بمجال الأمن السيبراني
قبل عقد من الزمن، لم تكن اليوغا تحظى بشعبية واسعة بين النساء والرجال في السعودية كما هي اليوم، إذ يشهد اليوم العالمي لليوغا اهتماماً متزايداً عاماً بعد عام، ومع اقتراب تنظيم «إكسبو 2030»، يتوقع أن يتصاعد التفاعل مع هذه الممارسة الصحية.
ولتصل اليوغا في السعودية إلى هذه الدرجة من الاهتمام، لم تكن رحلة نوف المروعي سهلة، بل مليئة بالتحديات، بدأت مغامرتها في أستراليا، حين ذهبت للحصول على دبلوم في علم وظائف الأعضاء وعلم التشريح، وتعرفت على هاثا يوجا وإدارة الوزن، ثم انتقلت إلى الهند، مهد اليوغا، وتدربت تحت إشراف معلمين في ولاية كيرالا ودلهي وجبال الهيمالايا، ما ساعدها على تحسين حالتها الصحية.
عند عودتها، أدركت أن العالم العربي كان يُحرَم من فوائد اليوغا، ورغبت في تقديم هذه التعاليم في السعودية، في عام 2004، واجهت صعوبات، إذ رُبطت اليوغا بأساطير هندوسية ورفضها جزء من المجتمع، لكن نوف صمدت، وأصبحت أول مدربة يوغا معتمدة في المملكة بعد 20 عاماً من الكفاح.
اقرأ أيضاً: دانيا عقيل أول امرأة تفوز بكأس العالم لراليات باها
كانت نقطة التحول الكبيرة عندما تم تعيينها في عام 2009 كمديرة إقليمية لـ Yoga Alliance International (YAI) في الخليج، ما منحها فرصة أكبر لنشر الوعي. قبل ذلك، عقدت نوف ندوات في الشركات والجامعات، جاذبة انتباه وسائل الإعلام ومؤكدة التزامها بتعزيز اليوغا في المجتمع.
في عام 2017، شهدت اليوغا تحولاً كبيراً في السعودية عندما التقت نوف المروعي بالأميرة ريما، وحصلت على اعتراف رسمي من الحكومة بهذه الممارسة، واليوم، تُمارس اليوغا في مدن مثل مكة المكرمة والرياض والمدينة المنورة وجدة، التي تحتضن أكثر من 8,000 متابع.
لم يقتصر التقدير التي حصلت عليه نوف على وطنها فحسب، بل امتد إلى نيودلهي، إذ حصلت نوف في عام 2018 على جائزة بادما شري، رابع أعلى جائزة مدنية في الهند، وهي تكريم نادر يُمنح للأجانب، كما كُرِّمت من قبل مدير المركز الثقافي للعلاقات الخارجية التابع لوزارة الخارجية الهندية تقديراً لجهودها في اللجنة العربية.
وفي يونيو الماضي، اختيرت المروعي كواحدة من بين 5 سيدات مؤثرات في مجال اليوغا على مستوى العالم، وذلك تقديراً لجهودها في نشر اليوغا وتعريفها كنشاط رياضي متكامل، مواكبة لرؤية المملكة 2030 في تطوير جودة الحياة وتعزيز الترفيه واللياقة البدنية.
اقرأ أيضاً: ناهد طاهر: نموذج يحتذى به للمرأة السعودية في رحلة التميز
وخلال مسيرتها الملهمة، لعبت نوف المروعي دوراً محورياً في إطلاق أول مؤتمر افتراضي يستعرض الجوانب العلاجية والعلمية لممارسة اليوغا وتأثيرها على الجسم والعقل، وقد عُقد هذا المؤتمر بالتعاون مع الجمعية الآسيوية للعلاج باليوغا ومقرها سنغافورة، ليكون نقطة انطلاق مهمة في تعزيز الوعي بفوائد اليوغا.
كما نظمت اللجنة السعودية تحت قيادتها أول مهرجان لليوغا في المملكة، حيث تجمع أكثر من 1000 مشارك ومشاركة للاحتفال بهذه الممارسة الصحية.
أخيراً، تواصل نوف المروعي جني ثمار سنوات من العمل الشغوف، ولا تتوانى عن متابعة التعلم والتطور، مُلهمةً الآخرين في رحلتهم نحو الصحة والعافية.
اقرأ أيضاً: أبرز سيدات الأعمال السعوديات لعام 2024