في مشهد سياسي يعكس شكل العلاقات السعودية الإيرانية، دعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اسرائيل إلى احترام سيادة إيران واستقلالها، وعدم جر المنطقة إلى حرب لا حدود لها، وذلك في القمة الإسلامية المنعقدة في الرياض والتي تجمع 57 دولة عربية وإسلامية.
سؤال يطرحه كثيرون، هل هناك علاقة بين انعقاد القمة الإسلامية وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية؟
بلا شك يعد انعقاد هذه القمة وفي هذا التوقيت له دلالات كبيرة، من ناحية تبيان مواقف الدول العربية والإسلامية إزاء القضية الفلسطينية، وإزاء ما يجري في لبنان وفلسطين، وما أشار إليه ولي العهد السعودي من احترام سيادة إيران وعدم التصعيد، لربما هذه إشارة إلى تقارب سعودي إيراني كبير واتفاق على كافة الملفات السياسية في المنطقة.
وفي العودة إلى العلاقات السعودية الإيرانية، نجد هناك العديد من الخطوات الاستراتيجية والعسكرية التي قام بها الطرفان لتعزيز هذه الشراكة، منها زيارة رئيس الأركان السعودي لإيران ومقابلة رئيس الأركان الإيراني، إضافة إلى المناورات البحرية بين البلدين، فالسعودية طلبت هذه المناورات وإيران استجابت، وعلى الرغم من رهان العديد من المحللين والسياسيين على هذه العلاقات، إلا أنها أثبتت توطدها واستمرارها على وتيرة واحدة، والجدير بالذكر أن هذه العلاقات والتقارب السياسي قام بوساطة صينية.
هذه الشراكة ليست غريبة، في ظل السياسة السعودية الجديدة القائمة على الشراكات مع دول الجوار والدول الأخرى، فنجد أن السعودية انفتحت على العلاقات الروسية والصينية، التي تعد من الدول غير المحبذة لدى ترامب، هذا ما يعكس حرية القرار السياسي السعودي، واتخاذ الاستراتيجيات القائمة على مصالح المملكة أولاً والمنطقة ثانياً.
ما مصير العلاقات السعودية الإيرانية بعد فوز ترامب الذي يناصب العداء لإيران واتهامه لها بمحاولة اغتياله؟
من الواضح أن المملكة العربية السعودية وضعت ملف التوترات بينها وبين إيران خلفها، والبلدين مؤمنان بحتمية صحة الدبلوماسية في حل كافة المشاكل، وإزالة كل المخاوف، هذا ما تفسره تصرفات البلدين، فإيران بحاجة إلى الخروج من العزلة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والسعودية وجدت إمكانية اعتمادها على عملات أخرى غير الدولار، وهذا ما يفسره وجودها كعضو في البريكس بلس، الذي أيضاً تتواجد فيه إيران والعديد من الدول التي تُعد غير صديقة لأمريكا، ويبدو أن الدور الأكبر الآن سوف يقع على عاتق المملكة العربية السعودية، لربما تستطيع المساعدة في إعادة ترتيب أوراق ترامب وعداءه لإيران، ولربما تستطيع إيجاد مقاربة وحل لهذه المشكلات بين البلدين، ويبقى الحاسم الأكبر لهذه الأمور هل سيساعد ترامب في تهدئة الحروب في المنطقة العربية؟، أم أنه سيقف في صف اسرائيل ويدعم حلولها العسكرية؟
هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة بعد تشكل الحكومة الأمريكية الجديدة في يناير، ووصول ترامب إلى البيت الأبيض بشكل رسمي.
اقرأ أيضاً: وزير المالية السعودي: أنفقنا المليارات على مشروع أثره «صفر»!
ويبقى السؤال الأهم، هل فشلت القمة الإسلامية والعربية الغير عادية التي دعت لها المملكة العربية السعودية في إخماد الحرب على فلسطين؟
يقول محللون سعوديون أن على العكس من نتائج القمم السابقة، فقد استطاعت السعودية إلى الآن قطع أشواط في تحقيق ولو جزء بسيط من الطموح الفلسطيني في بناء دولته، فهناك اعتراف متزايد من دول جديدة بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وتبيان وحشية الاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة، ولا بد من ذكر أن الأونروا أعلنت أن شمال قطاع غزة منطقة منكوبة، وأشارت العديد من الدول الأوروبية، وحتى أمريكا نفسها عن صعوبة وصول المساعدات الإنسانية للقطاع المنكوب، وبهذا لن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية من مساومة المملكة العربية السعودية على ملف وقف الحرب الإسرائيلية على غزة مقابل التطبيع مع إسرائيل، حتى لو أرادت ذلك.
وبالعودة إلى فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، نجد أنه بدأ بتشكيل حكومته التي ستلعب دوراً أساسياً في المرحلة القادمة، وإلى الآن وسائل إعلام أمريكية تقول أن ترامب قام باختيار شخصيتين متشددتين ضمن حكومته الجديدة، على عكس ما روج له في حملته الانتخابية عن اتخاذ خيار الاتفاق وحل الملفات العالقة.
فقد عيّن السيناتور الجمهوري ماركو روبيو وزيراً للخارجية، ومايكل والتز مستشاراً للأمن القومي، والشخصيتان معروفان بمواقفهم المتشددة اتجاه إيران والصين، ومناصرتهم الكاملة لاسرائيل، على الرغم من قيام ماركو روبيو بإيقاف حزمة مساعدات لأوكرانيا وتصويته ضد تسليحها، لاعتباره أن زيلنسكي يبتز أمريكا ويستنزف طاقاتها، وعلى الرغم من ذلك يبقى الراهن على شخصية ترامب الاقتصادية، كونه لا ينحدر من أصول السياسة التقليدية لأمريكا، وبالتالي قد يلبي مطلب المملكة العربية السعودية في إقامة دولة فلسطينية مقابل حزمة من الاتفاقيات، ومن ضمنها أيضاً التوصل إلى اتفاق مع إيران.
اقرأ أيضاً: اللقاء الأوّل من نوعه منذ عقود بين السعودية وإيران