ازدادت في الآونة الأخيرة جهود الدول لاستكشاف تاريخها أثرياً من خلال أعمال التنقيب التي تعتبر جسراً يربط الماضي بالحاضر، ويسهم في بناء مستقبل زاخر يستند إلى إنجازات الماضي ويطورها، وفي السعودية وبهدف استكشاف العمق التاريخي والحضاري للرياض والعناية بمواقع التراث الثقافي في المملكة، أطلقت هيئة التراث السعودية مشروع اليمامة الأثري الذي يضم أعمال المسح والاستكشاف والتنقيب داخل مدينة الرياض ومحيطها القريب.
ويهدف المشروع إلى التعرف على مظاهر تطور وتوسع مدينة الرياض، والكشف عن المواقع الأثرية والتاريخية وتوثيقها والحفاظ عليها، وذلك ضمن مسؤولية الهيئة تجاه حماية التراث الثقافي وإبراز العمق الحضاري للمملكة.
يأتي مشروع اليمامة الأثري ضمن مشاريع المسح والتنقيب الأثري داخل نطاق مدينة الرياض وما حولها من المراكز المحيطة في حدود 100 كم، وعلى طول امتداد وادي حنيفة، والمراكز المحيطة بمدينة الرياض، إضافة إلى 3 مشاريع أخرى للتنقيب الأثري في مواقع ضرماء والحني والمصانع، والتي تسعى الهيئة لإنجازها خلال الفترة (2024 – 2028).
وبلغ عدد المواقع الأثرية في الرياض والمسجلة في السجل الوطني للآثار 1541 موقعاً، وعدد المواقع المسجلة في السجل الوطني للتراث العمراني 1812 موقعاً، إضافة إلى 425 موقعاً تم تسجيلها كمواقع للفنون الصخرية والكتابات القديمة.
وتعتمد الهيئة في تنفيذ مشروع اليمامة الأثري ومشاريعها الباقية على مشاركة خبراء في التاريخ والآثار والأكاديميين والطلاب من الجامعات السعودية والمراكز والجامعات الدولية، كما توظف أحدث التقنيات من خلال نظم المعلومات الجغرافية، والمسح الجيوراداري الأرضي، والنمذجة ثلاثية الأبعاد والمسح المغناطيسي، إضافة إلى تقنيات التصوير الجوي المنخفض، واستخدام الذكاء الاصطناعي في رسم الخرائط الجغرافية والطبوغرافية.
وتزخر الرياض بأماكن تراثية غنية منها: مدينة الدرعية إحدى مدن التراث العالمي التي تحتوي أبنية وقصور أثرية وأروع المناظر الطبيعية، وحصن المصمك الذي يمثل انطلاقة تأسيس وتوحيد المملكة، ومنطقة قصر الحكم التي تبرز ملامح الماضي في ثوب عصري متميز، وقصر الإمارة الذي يعتبر تحفة معمارية من الطراز الإسلامي، ومنجم الذهب، ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي والمتحف الوطني الذي يجسد تاريخ المملكة وثقافة الجزيرة العربية وحضارتها، والجامع الكبير الذي يتمير بمنارتين ذات طراز معماري تراثي.
إضافة إلى وادي حنيفة الذي يعتبر منتزهاً خلاباً وأحد أطول مناطق التنزه المفتوحة بطول 80 كيلومتراً، ومنتزه الملك عبدالله الذي تبلغ مساحة 318 ألف متر مربع من المسطحات الخضراء وساحة للاحتفالات والعروض، وحلبة الريم التي تم تصنيفها من قبل الاتحاد الدولي للسيارات في الدرجة الثالثة .
اقرأ أيضاً: مواقع سعودية مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو..اكتشف أشهر 5 منها
مشروع اليمامة الأثري لم يكن المشروع الوحيد للهيئة في مجال حفظ التراث، إذ وفي إطار حرصها على حفظ التراث الثقافي للمملكة، والتعريف بمواقعه داخلياً وخارجياً، نجحت في تسجيل 8 مواقع تراثية على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وهي: مدينة الحِجْر في العُلا، حي الطريف بالدرعية، منطقة جدة التاريخية، الفن الصخري في حائل، واحة الأحساء، منطقة حِمى الثقافية بنجران، محمية عروق بني معارض، ومنطقة الفاو الأثرية التي تم تسجيلها هذا العام ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو بوصفها موقعاً ثقافياً يمتلك قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني.
وفي أيار 2024 أعلنت هيئة التراث الوطني اعتماد تسجيل وتوثيق 202 مواقع أثرية جديدة في السجل الوطني للآثار، ليصبح إجمالي عدد المواقع الأثرية المسجلة 9119 موقعاً على مستوى المملكة.
كما أطلقت الهيئة عام 2023 مشروع حصر عناصر التراث الثقافي غير المادي في عدد من مناطق السعودية بهدف صون الموروث المحلي من الاندثار، ويستهدف المشروع في مرحلته الأولى: مناطق مكة المكرمة والمدينة المنورة والباحة وعسير وجازان ونجران.
إضافة إلى ذلك تم إطلاق مبادرة وثائق التأمين على الأصول الثقافية في السعودية لوصون التراث الثقافي السعودي، من خلال تأمين تغطية مالية في حالة وقوع حادث يؤدي إلى تلف أو خسارة الأصول الثقافية بما يتناسب مع مقدار التلف والقيمة العادلة للأصل.
ختاماً، يمثل إعادة إحياء تراث الرياض نقة نوعية نحو تعزيز الهوية الثقافية والتاريخية للمدينة. وتعزيز الوعي الجمعي بأهمية التاريخ والتقاليد التي كونت المجتمع السعودي، إضافة إلى دور حركة الإحياء هذه في تنشيط السياحة الثقافية، وجذب الزوار من مختلف أنحاء المملكة والعالم لاستكشاف تاريخ المدينة وثقافاتها المتنوعة، ونقل هذه الثقافات إلى الأجيال القادمة.
اقرأ أيضاً: معرض الكتاب في الرياض يحتفل بعام الإبل