تعرف منطقة حائل، الواقعة شمال المملكة العربية السعودية والملقبة بـ”عروس الشمال”، بتنوعها الجغرافي الفريد الذي تمتزج فيه السهول الشاسعة مع السلاسل الجبلية المهيبة مثل جبلي “أجا” و”سلمى”.
وتشكل الأودية والشعاب جزءاً أساسياً من هذا النسيج الطبيعي، حيث ترسم مناظر خلابة وتنبض بالحياة، خاصة خلال مواسم الأمطار، لتكون متنفساً طبيعياً لسكان المنطقة وزوارها.
ومن بين هذه الأودية، يبرز وادي “الإديرع” كأحد أكبر وأهم المعالم الطبيعية والتاريخية في المنطقة، والذي يشهد حالياً تحولاً ليصبح أيضاً واجهة حضارية متطورة بفضل مشاريع تطويرية تهدف لتعزيز جودة الحياة.
ويمثل وادي الإديرع شرياناً حيوياً يمتد لمسافة تقارب 130 كيلومتراً، منحدراً بلطف من منبعه في قرية “العقلة” جنوب حائل، ليشق طريقه شمال شرقاً مروراً بقلب مدينة حائل، قاطعاً إياها إلى قسمين شرقي وغربي كما كان يفعل تاريخياً عند جريانه، وصولاً إلى مصبه في منطقة “الخاصرة” جنوب غرب محافظة بقعاء.
وتغذيه عدة روافد مهمة، أبرزها وادي “جفيفاء” والأودية المنحدرة من جبال “أجا” الشامخة، مما يجعله المسار الطبيعي الرئيسي لتصريف مياه السيول والأمطار في المنطقة، وعنصراً أساسياً في توازنها البيئي.
اقرأ أيضاً: «ناموس أمالا»: عنوان جديد للضيافة العالمية الفاخرة في السعودية
وادي الإديرع: تاريخ طبيعي وشريان حياة لحائل
يحمل اسم الوادي دلالة جغرافية، حيث ينسب إلى هضبة “الديرع”، وهي مجموعة من التلال والجبال السمراء المرتفعة التي تشبه الدرع الدائري وتقع جنوب شرق قرية عقلة بن جبرين.
ولم يكن هذا اسمه الوحيد للوادي عبر التاريخ، فقد عرف قديماً باسم “وادي الديعجان”، ثم أطلق عليه لاحقاً اسم “وادي حائل” نظراً لمروره بالمدينة وقسمها إلى شطرين عند فيضانه، مما يعكس ارتباطه الوثيق بتاريخ وتطور المدينة.
وبالرغم من ذلك، ظل الوادي مقصداً للسكان والزوار، خاصة خلال مواسم الأمطار، حيث تتحول جنباته إلى مساحات خضراء تتدفق فيها المياه، مما يجعله ملاذاً للاستجمام والاستمتاع بجمال الطبيعة البرية بالقرب من معالم بارزة مثل جبل السمراء.
ومع ذلك، كغيره من الأودية التي تمر عبر المدن، واجه الوادي تحديات بيئية تتعلق بجودة المياه في بعض أجزائه، وهو ما استدعى اهتمام الجهات المعنية لمعالجتها والحفاظ على بيئته.
تطوير حضري يعزز جودة الحياة على ضفاف الوادي
إدراكاً لأهمية وادي الإديرع كمرفق طبيعي وحيوي لمدينة حائل، أولت أمانة منطقة حائل اهتماماً كبيراً بتطوير ضفافه وتحويله إلى متنفس حضري يخدم السكان والزوار ويعزز من جودة الحياة وأنسنة المدن، تماشياً مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وشملت أبرز مشاريع التطوير إنشاء ممشى متكامل على ضفاف الوادي، يضم مضامير للمشي بطول يتجاوز 2.7 كيلومتر، وأرصفة واسعة تمتد لـ 7.5 كيلومتر.
كما تمت زراعة مسطحات خضراء تزيد مساحتها عن 11,700 متر مربع، وغرس حوالي 350 شجرة وشجيرة متنوعة لإضفاء لمسة جمالية وتوفير الظل.
ولم تقتصر عملية التطوير على المسارات والمساحات الخضراء، بل شملت أيضاً توفير بنية تحتية خدمية وترفيهية متكاملة، حيث تم توزيع ما يقارب 35 مقعداً خرسانياً للجلوس و15 حاوية نفايات على امتداد المشروع، وتخصيص مواقع لألعاب الأطفال، وإنشاء سور جمالي مضاء يعزز من أمن وجمالية المكان ليلاً.
كما روعي في التصميم احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة لضمان سهولة وصولهم واستخدامهم للمرافق.
ولتعزيز الربط بين أجزاء المدينة وتسهيل الحركة المرورية والجمالية على الوادي، تم مؤخراً افتتاح “جسر المدينة الحضرية” بتكلفة تجاوزت 52 مليون ريال.
ويتكون هذا الجسر الحيوي من اتجاهين بست حارات مرورية، بالإضافة إلى ممرات آمنة للمشاة والدراجات الهوائية، وبطول 306 أمتار، ليضيف بعداً حضارياً وعملياً لمسار الوادي.
وبهذه المشاريع، لم يعد وادي الإديرع مجرد معلم طبيعي وتاريخي، بل أصبح جزءاً حيوياً من النسيج الحضري لمدينة حائل، يجمع بين عبق الماضي وروح التطور، مقدماً للسكان والزوار وجهة ترفيهية وسياحية متكاملة تعكس التزام المملكة بتحسين جودة الحياة وتطوير مدنها وفق أعلى المعايير.
اقرأ أيضاً: ذا فيلج جدة: التسوق والاسترخاء والترفيه تحت سقف واحد!