شهدت العلاقات السعودية السورية في السنوات الأخيرة تقارباً ملحوظاً، بعد فترة طويلة من التوتر وانقطاع التواصل الرسمي.
وتأتي هذه الخطوات الإيجابية في إطار جهود المملكة العربية السعودية الرامية إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ودعم الحلول السياسية للأزمات العربية، بما في ذلك الأزمة السورية.
وتعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتبادل الزيارات الرسمية، وتسيير رحلات الحج والعمرة، وفتح المجال أمام التعاون الاقتصادي، مؤشرات قوية على رغبة الجانبين في إعادة بناء جسور التواصل وتعزيز أواصر الأخوة التي تربط الشعبين الشقيقين.
بداية العلاقات بين السعودية وسوريا
في أول زيارة رسمية سعودية إلى سوريا منذ عام 2011، وفي خطوة تعكس تحسن العلاقات بين البلدين، وتأتي في سياق تقارب أوسع في المنطقة، قام وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، في أبريل 2023 بزيارة رسمية إلى دمشق، ناقش خلالها مع الرئيس السوري بشار الأسد، سبل حل سياسي الأزمة السورية بالطرق السلمية.
وأعلنت الرياض ودمشق في مايو 2023 استئناف عمل بعثتيهما الدبلوماسيتين لدى بعضهما البعض، وذلك بعد أيام من عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وبحسب بيان للخارجية السعودية حينها، جاء القرار “انطلاقًا من روابط الأخوة التي تجمع الشعبين، وحرصا على الإسهام في تطوير العمل العربي المشترك، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وأعادت سوريا فتح سفارتها في الرياض وعينت سفيراً جديداً، في ديسمبر العام الماضي.
وفي خطوة مماثلة، عينت المملكة العربية السعودية، الأحد 26 مايو 2024، السفير فيصل بن سعود المجفل سفيراً للمملكة لدى سوريا.
اقرأ أيضًا: ترتيبات سعودية لاتفاق سوري يشمل النظام والمعارضة.. دبلوماسية هادئة ورؤية بعيدة
المحطات التمهيدية لعودة العلاقات بين السعودية وسوريا
بحسب تقارير صحفية، فإن عودة علاقات الرياض مع دمشق، سبقتها عدة محطات تمهيدية، بدءاً بزيارات شخصيات سورية مقربة من الرئاسة السورية إلى السعودية، مروراً بتصريحات صدرت عن مسؤولين رفيعي المستوى في دمشق والرياض، وصولاً إلى قرار عودة العلاقات الدبلوماسية.
وفي أول إشارة تمهيدية، أفاد مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله بن يحيى المعلمي، عام 2020، أن العلاقات بين بلاده وسوريا يمكن أن تعود في أي لحظة، إذا انتهت الأزمة السورية، وفي حال تم التوافق بين الشعب السوري على مستقبل البلاد.
وفي العام التالي 2021 كشفت تقارير غربية، قيام رئيس جهاز الاستخبارات السعودي خالد الحميدان إلى سوريا، التقى خلالها الرئيس السوري ومستشاره للشؤون الأمنية علي المملوك.
وفي أول زيارة رسمية علنية لمسؤول سوري رفيع إلى السعودية، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، شارك وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني، في مؤتمر عقد في الرياض حول السياحة في الشرق الأوسط عام 2021.
وفي أعقاب الزلزال المدمر، الذي ضرب كلا من سوريا وتركيا، أرسلت الرياض مساعدات إنسانية إلى المناطق المتضررة التي تسيطر عليها المعارضة وتلك الخاضعة لسيطرة الدولة السورية على حد سواء.
وخلال القمة الصينية السعودية، في أواخر 2022، أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن رغبة بلاده في البحث عن طريقة للتواصل مع القيادة السورية.
وفي عام 2022، وخلال مؤتمر ميونيخ للأمن، تحدث وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، عن بداية تشكيل إجماع عربي بشأن عدم جدوى عزل سوريا عن محيطها العربي، وشدد على أهمية الحوار لمعالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم.
كما أجرى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد زيارة إلى السعودية التقى خلالها نظيره السعودي في أبريل/ 2023، وذلك بعد إعلان البلدين استئناف علاقتهما الدبلوماسية.
اقرأ أيضًا: المملكة العربية السعودية تعين فيصل بن سعود المجفل سفيراً لها في دمشق.. دلالات كبيرة في الإقليم والعالم
القمة العربية 2023
في السياق، وفي خطوة تؤكد دور السعودية الفعال في محاولة لعودة علاقات سوريا العربية، وجه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود دعوة للرئيس السوري بشار الأسد للقمة العربية لعام 2023، والتي عُقدت في مدينة جدة.
وكان حضور الأسد للقمة، علامة على تغير الديناميكيات السياسية في المنطقة، وأظهر دور السعودية الفعال والمؤثر في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وشدد البيان الختامي للقمة (إعلان جدة) على تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها، وتكثيف الجهود لمساعدتها على الخروج من أزمتها، وإنهاء معاناة الشعب السوري.
اقرأ أيضًا: مصطفى سليمان.. سوري بريطاني يتولى قيادة الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت
تسيير رحلات حج مباشرة من سوريا إلى السعودية
إلى ذلك، وبعد عودة العلاقات الدبلوماسية، وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد، انطلقت حملات الحج للحاج السوري لهذا الموسم من دمشق، إذ أعلنت وزارة الأوقاف السورية، انتهاء إجراءات التسجيل، وقبول 17500 شخص قدموا طلباتهم لأداء مناسك فريضة الحج.
وفي أولى الرحلات بين البلدين، وصلت طائراتان، تحملان 527 حاجاً سورياً إلى مطار الملك عبد العزيز في جدة، يوم 28 مايو، قادمة من العاصمة السورية، دمشق.
رحلات جوية مباشرة من سوريا لـ 3 مدن سعودية
كذلك، وفي “خطوة تسعد الكثير من السوريين المقيمين في السعودية، وفي المقابل كذلك الحال بالنسبة للسعوديين الذين اعتادوا التمتع بسحر المناخ والطبيعة في سوريا، وتمضية الوقت في دمشق”، كشف السفير السوري، محمد أيمن سوسان، عن نية بلاده تدشين مسار الرحلات المنتظمة للخطوط الجوية السورية إلى 3 مدن سعودية: “الرياض، وجدة، والدمام” وذلك بعد انتهاء موسم حج هذا العام.
ويعد تفعيل خطوة الرحلات المباشرة من سوريا إلى السعودية تطوراً لافتاً في العلاقات السعودية – السورية.
اقرأ أيضًا: من بوابة مدنية… البريطاني السوري أيمن الأصفري يطرح نفسه بديلاً عن الأسد؟
خطوات نحو مستقبل مشرق:
إن عودة العلاقات السعودية السورية تمثل علامة فارقة في تاريخ العلاقات العربية، وتُرسل رسالة إيجابية للعالم مفادها أنّ الدول العربية قادرة على تجاوز خلافاتها والعمل معاً من أجل تحقيق المصالح المشتركة.
وتُشكل هذه الخطوات الإيجابية قاعدة صلبة لبناء مستقبل مشرق للعلاقات بين البلدين، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
ولاشك أن عودة الدفء إلى العلاقات السعودية السورية ستنعكس إيجاباً على المنطقة العربية بأكملها، وستساهم في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار.