بينما كان العالم مشغولاً بتقلبات أسواق الطاقة وأمواج التغيرات الاقتصادية، كانت المملكة العربية السعودية تخط بجرأة ملامح مستقبل جديد، قصة نهوض حديثة كتبتها المصانع السعودية، المصانع التي نمت كأنها أشجار تتحدى العطش، وتمتص من جذورها طموحات رؤية 2030 لتسمو بفروعها نحو السماء.
ومع معطيات اليوم، يمكن القول إن رؤية المملكة ليست مجرد خطة اقتصادية، بل ربما هي قصيدة حضارية تسرد قصة بلد لا يرضى إلا بالتميز، ولذا فهي ضاعفت عدد مصانعها لتعلن للعالم أجمع أن زمن الاعتماد على النفط وحده قد ولّى، وأن عصراً جديداً يشقّ طريقه في الأفق.
شهد القطاع الصناعي في المملكة العربية السعودية نمواً ملحوظاً بنسبة 60% منذ إطلاق رؤية 2030، وارتفع عدد المصانع القائمة في المملكة من 7206 مصانع في عام 2016 إلى 11549 مصنعاً في عام 2023، بإجمالي استثمارات تقدر بـ 1541 تريليون ريال سعودي حسب وكالة الأنباء السعودية.
وهذا ما يعكس الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة لتعزيز اقتصادها وتنويعه، إلا أن هذه الزيادة الملحوظة في عدد المصانع ليست سوى جزء من الاستراتيجية الأوسع التي تهدف إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية إقليمية وعالمية، ويرتبط هذا النمو بإنشاء وزارة الصناعة والثروة المعدنية التي تُعد حجر الزاوية في تحقيق أهداف رؤية 2030.
إذ تسعى الوزارة إلى تعزيز الاعتماد على قطاعي الصناعة والتعدين، وهو ما يساهم في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، بالإضافة إلى خلق فرص وظيفية نوعية لشباب المملكة الذين يشكلون قاعدة أساسية لتحقيق التغيير الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
ويعتبر الاهتمام بالصناعات التحويلية وتوطينها جزءاً أساسياً من هذه الاستراتيجية، حيث جرى تطوير عدد من المبادرات لتحفيز الابتكار وتبني التقنيات الحديثة في قطاع التصنيع، إذ تستهدف المملكة زيادة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 12% إلى 20% بحلول عام 2030.
اقرأ أيضاً: ما أسباب تراجع الإنتاج الصناعي مؤخراً في السعودية؟
وتمثل هذه الخطوات تقدماً نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من القطاعات الحيوية، بما في ذلك صناعة البتروكيماويات التي تسعى المملكة للوصول فيها إلى الريادة العالمية.
وتأتي هذه التحولات الاقتصادية بالتوازي مع تعزيز البنية التحتية وتوفير بيئة استثمارية ملائمة للمستثمرين المحليين والدوليين، ويتم ذلك من خلال تحديث التشريعات وتقديم حوافز اقتصادية، ما يزيد من جاذبية المملكة كوجهة استثمارية عالمية.
ولا يقتصر الأمر على زيادة عدد المصانع فحسب، بل يشمل أيضاً تحسين نوعية الإنتاج ورفع مستوى الكفاءة في العمليات الصناعية، وهذا التوجه يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 بخلق اقتصاد متنوع ومستدام يعتمد على الصناعات غير النفطية.
وفيما يخص التوزيع الجغرافي والاستثمارات، فتتركز معظم المصانع في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام، مع وجود خطط طموحة لتوسيع هذا القطاع ليشمل مختلف مناطق المملكة.
وقد بلغت الاستثمارات الصناعية في المصانع الجديدة التي بدأت الإنتاج في كانون الثاني/يناير 2024 حوالي 1.3 مليار ريال سعودي، واستحوذت المصانع الغذائية على النصيب الأكبر من هذا النمو، حيث سُجّل 13 مصنعاً غذائياً من إجمالي 79 مصنع جديد.
ومن الجدير بالذكر، أن الحكومة السعودية تستهدف رفع عدد المصانع إلى حوالي 36 ألف مصنع بحلول عام 2035، مع تعزيز الصادرات الصناعية لتصل إلى ضعف مستوياتها الحالية.
اقرأ أيضاً: كيف ساهمت رؤية المملكة 2030 في جذب الاستثمارات إلى السعودية؟