لم يخطر في بال مشاعل ذات الست سنوات وهي تتأمل النجوم البعيدة في سماء صحراء مدينة عنيزة السعودية، أنها ستصبح يوماً ما على مقربة من هذه النجوم، تلقي التحية عليها، وتحمّلها أمنيات بلاد تسعى بكل ما أوتيت من علم ومعرفة لسبر الفضاء واستكشاف ما يخبئه لنا من أسرارٍ. مشاعل الشميمري، التي أصبحت لاحقاً أول مهندسة في هندسة الصواريخ والمراكب الفضائية في دول مجلس التعاون الخليجي، حجزت لنفسها مكاناً قرب تلك النجوم، لتصبح بعلمها نجمة عربية تبذل قصارى جهدها لإنارة الطريق أمام من يرغب في أن يسلك مسارها.
مشاعل الشميمري مهندسة سعودية حاصلة على بكالوريوس في هندسة طيران وبكالوريوس في الرياضيات التطبيقية من معهد فلوريدا للتكنولوجيا في ملبورن، قدمت لها وكالة الفضاء (ناسا) منحة لدراسة الماجستير في مجال هندسة الطيران، لتكون بذلك أول سعودية تلتحق بوكالة الفضاء الأمريكية وهي في الثانية والعشرين من عمرها.
قد يجبر السعي وراء التحصيل العلمي صاحبه على تفريغ كامل وقته للدراسة، لكن مشاعل ولأنها اختارت التميز نهجاً سعت إلى إنجازات عملية في البحث العلمي تواكب تحصيلها الدراسي، فأسست وهي ذات 26 عاماً شركة مشاعل ايروسبيي في فلوريدا لتحقيق حلمها النهائي في بناء صواريخها الخاصة لإطلاق أقمار صناعية صغيرة (500 كغ) أو أقل إلى مدار الأرض المنخفض.
خلال فترة عملها كمساعدة بحثية في ناسا، قامت المهندسة مشاعل الشميمري بتحليل وتصميم محرك صاروخي نووي حراري لبعثة ناسا إلى المريخ، كما عملت عام 2006 على صناعة 22 صاروخاً غير نووي، وكتابة ترميزات برمجية لتطوير طريقة تحليل بيانات اختبار الرياح، وتطوير عدة نماذج للملاحة الجوية المختلفة.
المرأة الملهمة لعام 2015 والحاصلة على جائزة للإنجاز العلمي من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، تم تصنيفها كواحدة من أكثر 10 سيدات عربيات تأثيراً في العالم، كما صنفتها مجلة “Business.com” ضمن أكثر مائة سيدة عربية تأثيراً، وصنفها موقع “construction week online” ضمن العشرة الأوائل الأكثر تأثيراً بمجالها في العالم العربي.
المهندسة مشاعل مستشارة في عدد من الوكالات الدولية المتخصصة بهندسة الصواريخ، عملت أستاذة في قسم الميكانيكا والفضاء بجامعة ميامي، وتعمل حالياً كمستشار خاص للرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء السعودية، أسهمت في وضع استراتيجية الفضاء الوطنية السعودية وإنشاء وقيادة برامج ومبادرات فضائية محددة بما في ذلك برنامج رحلات الفضاء المأهولة السعودية ووضع استراتيجيات وخرائط طريق وميزانية لهذه البرامج والمبادرات الفضائية، إضافة إلى إسداء المشورة للقيادة بشأن توجيه الاستراتيجية الفضائية الوطنية وتنفيذها.
وقبل انضمامها لوكالة الفضاء السعودية، كانت مشاعل الشميمري مستشاراً في الطاقة النووية والدفع النووي الفضائي لشركة نورثرب قرمن في الولايات المتحدة المريكية، كما عملت في قسم الديناميكا الهوائية في ريثيون وساهمت في تصميم وتطوير اثنين وعشرين برنامجًا مختلفًا للصواريخ. تشمل خبرتها المهنية الديناميكا الهوائية واختبار نفق الرياح وتصميم المركبات والمحاكاة والتحليل التنبؤي وتحليل فصل الصاروخ، مع التركيز القوي على تطوير الأدوات الحسابية.
ومؤخراً أعلن الاتحاد الدولي للملاحة الفضائية «IAF» فوز ممثل السعودية المهندسة مشاعل الشميمري بمنصب نائب الرئيس للاتحاد، وذلك عقب ترشحها للمنصب وفوزها بالتصويت على 14 مرشحاً من أنحاء العالم كافة، لتكون بذلك أول امرأة سعودية تحقق الفوز بمنصب قيادي في أكبر المنظمات العالمية للفضاء.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم السعودية الحطام الفضائي كمصدر جديد للدخل؟
وبعدما أصبحت مشاعل جليسة النجوم، تعد العدة لزيارتها من صواريخ ومركبات فضائية، لم تنسَ المرأة السعودية الملهمة أهمية أن تشارك من حولها تجاربها وخبرتها، علّها تنير لهم الطريق نحو أحلامهم وتأخذ بيدهم لتحقيق طموحاتهم، فاستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات لتشرح للمهتمين عموماً والشباب خصوصاً أهمية مواكبة العلم لتحقيق أحلامهم والمساهمة في بناء مجتمع أكثر ازدهاراً وابتكارراً، ولتعبيد الطريق نحو مستقبل مشرق ومليء بالفرص.
ومع التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، أثبتت النساء أنهن قادرات على مجابهة الصعاب وتحقيق إنجازات غير مسبوقة في العلم الحديث، كما حققتها سابقاً في باقي المجالات، ومشاعل الشميمري التي كان لها من اسمها نصيب ساهمت رغم صغر سنها بفتح آفاق جديدة للأجيال القادمة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، حتى باتت مصدر إلهام لباقي النساء الراغبات بخوض غمار العلم، لتكون ليس فقط صانعة للمعرفة، بل أيضًا قائدة للتغيير.
اقرأ أيضاً: مركز مستقبل الفضاء.. خطوة تعزز مكانة السعودية في ميدان الفضاء والتكنولوجيا