تُشتهَر المملكة العربية السعودية بالحرف اليدوية التراثية، وتبرز صناعة الخوص من بين هذه الحرف التقليدية، إذ ارتبطت بأشجار النخيل الشهيرة في المملكة، بسعفها ولبّها، وقد اعتمدها السعوديون منذ القدم لصنع مجموعة متنوعة من الأدوات المنزلية والزراعية، وفي هذا المقال إليك حكاية صناعة الخوص التراثية وتاريخها.
تنتشر حرفة الخوص الشعبية في مناطق زراعة النخيل في المملكة العربية السعودية، وهي مهنة أتقنتها النساء، وحرصن على تعليمها للفتيات منذ الصغر، إذ كانت ضرورية في الماضي لتوفير منتجات منزلية، ورغم تطور الأدوات العصرية، ما زالت منتجات الخوص تُستخدم اليوم كرمز للتراث وتزيين المنازل.
وإن كنت تتساءل عن ماهية الخوص وطبيعته وطريقة تشكيله، فهو عبارة عن أوراق سعف النخيل التي يتم تجميعها وتصنيعها بطريقة يدوية، لتعطي أشكالاً جميلة ومفيدة في الوقت ذاته، فمن خلاله تُصنع الحقائب والمفارش الخاصة بالمائدة، إلى جانب القبعات التقليدية، كما يُستعمل في صناعة المكانس اليدوية والحصائر، وفي تشكيل المراوح اليدوية، إضافةً إلى ذلك، يُبدع الحرفيون في تشكيل السلال وصناعة العلب الخاصة لحفظ التمور والأطعمة المتنوعة.
يعمل الحرفيّ على تجميع سعف النخيل الأخضر، وينشره تحت أشعة الشمس الساطعة حتى يجفّ، وبعد ذلك ينقعه في الماء كي يصبح ليّناً وسهلَ التشكيل، وهنا تبدأ العملية الإبداعية المبهرة، إذ يجلس الخوّاص على الأرض، وبجانبه الإبرة والمقص والسكين والمخارز والحجارة المدببة، مع وعاء الماء والصبغات.
وبمهارته وقوة يديه، يحوّل السعف إلى جديلة عريضة، ثم يخيط الجدائل سوية ويضمها إلى بعضها على شكل نسيج، وبعد ذلك، تبدأ عملية تقليم أطراف الخوص والتخلص من الزوائد.
وبعد الانتهاء من تشكيل المنتج، يتفنن الحرفي في تلوين تحفته الفنية وصباغتها، باستخدام ألوان مخصصة، إذ يضع الماء في وعاء كبير ليغلي ثم يضيف الصباغ، ومن بعدها يغمر الخوص في الماء الملون لمدة خمس دقائق حتى تكتسب اللون المطلوب.
اقرأ أيضاً: صناعة الفخار في السعودية: تراث عريق وفنون متجددة
وكما ذكرنا في البداية، تعتمد صناعة الخوص على سعف النخلة ولبّها، ويختلف السعف واللب في الشكل، وفي طبيعة المشغولات التي تُصنع منهما، فالسعف يتألف من الأوراق العادية للنخيل، وهو يتميز بطوله وخشونته النسبية مقارنةً باللبّ، لذا فهو ملائم لصناعة المشغولات الكبيرة والمتينة، مثل السلال ذات الأحجام الكبيرة، التي تستخدم لتخزين أو نقل مختلف الأشياء، والحصير الذي يُفرَش في المنازل، وكذلك “المقاطف” التي تُستَخدم في جني المحاصيل الزراعية وحمل الردم، التبن، وغيرها من المواد، كما أنها تستخدم كأداة تقليدية للتسوق.
أما اللبّ فيوجد في قلب النخلة، ويتميز بلونه الأبيض الناصع الذي يضفي عليه جمالاً ونقاءً، يمتاز اللبّ أيضاً بمرونته وسهولة تشكيله، ما يجعله مادة مثالية لصناعة المشغولات الدقيقة والمزخرفة، إذ يعتمد الحرفيون على اللبّ في إنتاج قطع فنية جميلة ومتقنة، ومن مميزات هذه المشغولات أنها لا تقتصر على لون واحد، بل يمكن إدخال ألوان متعددة في القطعة الواحدة، وتوزيعها بشكل هندسي متناغم يضفي رونقاً إضافياً.
ولا يمكن أن تمرّ أنواع مشغولات الخوص مرور الكرام، إذ يتميز كل منتج منها بدوره الخاص في التراث السعودي، فمثلاً، تعدّ السلال من أهم أنواع مشغولات صناعة الخوص، وغالباً ما تكون عميقة ومستديرة، وتُستخدم في أغراض كثيرة مثل حفظ الملابس، ونقل التمر.
اقرأ أيضاً: مهرجان التمور الأول في نجران ينطلق برعاية أمير نجران
أما المنز فهو سرير يُصنع للطفل الصغير، ويوجد به يد، لسهولة الحمل والنقل من مكان لآخر، وأيضاً هناك المخرفة، وهي عبارة عن سلة يمكن تعليقها في الرقبة من خلال يد طويلة، وتساعد الرجل على جمع التمر عند صعوده إلى النخيل.
ومن المشغولات الخوصية التقليدية، يوجد السرود، وهي عبارة عن طبق دائري يوضع فوقها الطعام، أما سلة سافانا فهي سلة أنيقة وفخمة، توضع في أي مكان في المنزل وتعطي مظهراً رائعاً، كما يمكنك تخزين أغراض كثيرة بداخلها، ما يساعدك في استغلال مساحة المنزل.
ويأخذ الميزان المصنوع من الخوص، شكل الميزان العادي، ويعلق على طرفيه عصا طويلة، ويربط بخيوط متينة وقوية، وكان يستخدم في شهر رمضان المبارك لعرض التمر والرطب، أما المشبّ فيستخدم في إشعال النيران، خاصة عند تحضير الخبز، ويمكن استعماله أيضاً للتهوية على الطعام، ويمتاز بحجمه الصغير والدائري.
رغم قِدم هذه الصناعة، إلا أنها ما زالت حية وتتناقلها الأجيال عبر العصور، وتبرز في المهرجانات الوطنية والمناطقية التي تقام في مناطق السعودية، ما يؤكد مكانتها الراسخة في التراث السعودي. حيث تعد صناعة الخوص التقليدية من الحرف اليدوية التراثية البارزة التي تميز المملكة.
اقرأ أيضاً: الزي السعودي التراثي تقليد لا يُستغنى عنه