تسعى السعودية للعمل على تطوير منظومة الذكاء الاصطناعي كأداة توسع نطاق القدرة البشرية دون أن تحل مكان الإنسان، وهذا التوجه بات واضحاً خلال انطلاق القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثالثة.
المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي
فقد أعلنت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، إطلاق المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، على هامش القمة العالمية بنسختها الثالثة، كمركز من الفئة الثانية، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وذلك بهدف تقديم الدعم في البحث والتطوير في هذه التقنية، وتعزيز الوعي والتواصل بشأن أخلاقياتها، وكذاك بهدف تقديم التوصيات ذات الصلة بسياسات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز بناء ودعم القدرات.
وتطرقت الجلسات الحوارية في القمة العالمية إلى العديد من المحاور الهامة، وشهدت نقاشات غنية عبر صناع السياسات الاقتصادية ونخب من المختصين، تطرقوا إلى نقطة التقاطع بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي، وكذلك أهمية الابتكار والحلول لمستقبل أفضل لهذه التقنية.
رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، الدكتور عبد الله الغامدي، أكد في كلمته الافتتاحية أن المملكة تستلهم رحلتها في هذا المجال من رؤية 2030، بقيادة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، الراسخة لجعل البلاد في طليعة الابتكار في هذه التقنية عالمياً.
جودة الحياة
وشدد الغامدي على أن القمة العالمية للذكاء الاصطناعي بنسختها الثالثة تعمل على رفع سقف هذه التقنية وفتح آفاقه الجديدة والمبتكرة لخير البشرية، موضحاً أن قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي مؤخراً اجتازت امتحان الترخيص الطبي الأميركي بدرجة 98% متفوقة على ما حققه طلاب الطب من درجة بلغت 85%.
وأشار إلى الأولمبياد الوطني للبرمجة والذكاء الاصطناعي (أذكى) الذي شارك فيه أكثر من 570 ألف طالب، واستضافة المملكة لأول أولمبياد دولي للذكاء الاصطناعي بمشاركة ما يزيد على 25 دولة تتنافس الآن في الرياض.
وأفاد الغامدي بأن (سدايا) عملت في مجال الرعاية الصحية في قطاع الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الحرجة مثل: اعتلال الشبكية السكري بأحد حلول الذكاء الاصطناعي (عيناي).
وأشار أيضاً إلى إقرار “اليونسكو” في دورتها الثانية والأربعين، بمنح المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي بالسعودية صفة مركز دولي، مؤكداً ريادة المملكة في هذا المجال.
وأضاف: “نرفع السقف في هذه القمة، وندفع حدود الذكاء الاصطناعي إلى أعلى وأبعد من أجل خير البشرية، ونرى اليوم كيف تطور هذا المجال، وأحدث الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يعد ثورة في الإبداع والابتكار والتعاون، وتسبب صعوده في طفرة بالمعلومات، والتزييف العميق، كما شكلت المعلومات المولدة باستخدام هذه التقنية معضلة أخلاقية يجب علينا التصدي لها وجهاً لوجه”.
وأكد أن التنافس الدولي على المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي يشكل تحدياً معقداً ومتشابكاً وحاسماً يتوجب التغلب عليه، واجتذاب الشمال العالمي للمواهب يوسِّع الفجوة، ما يهدد التنمية الرقمية والاقتصادية والاجتماعية.
كما استعرض الجهود الدولية التي بذلتها (سدايا) من أجل تحقيق الاستفادة من البيانات والذكاء الاصطناعي، ومن ذلك استضافة إحدى أكبر مشاورات حوكمة الذكاء الاصطناعي للأمم المتحدة في مدينة الرياض بمشاركة أكثر من 50 دولة.
وأشار إلى كثير من المشروعات والابتكارات التي عملت عليها (سدايا)، ومنها: نموذج (علَّام)، وهو نموذج لغوي عربي كبير رائد، تم تطويره في المملكة، وكذلك ابتكار (صوتك)، الذي جرى الكشف عنه في النسخة الثانية من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، وهو الأداة الأدق في تحويل الكلام إلى نص باللغة العربية، ويغطي 15 لهجة عربية.
وأوضح أن وزارة العدل تستخدم (صوتك)، لتدوين آلاف الساعات من جلسات المحكمة الافتراضية في كل يوم مما يضع الوزارة بين القادة العالميين في الأنظمة القضائية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.
وأوضح أن (سدايا) واصلت مسيرتها في بناء القدرات الوطنية، وعملت على تحقيق المساواة بين الجنسين بنسبة 50% في القوى العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، كما أنها وصلت إلى العالمية في جهودها الإنسانية لتسهم في تعزيز ذلك، مستشهداً بمبادرة (إليفيت) التي تم إطلاقها في النسخة الثانية من القمة العالمية للذكاء الاصطناعي، وتم خلالها صقل مهارات نساء من 28 دولة.
كذلك، شدد الغامدي على أن الذكاء الاصطناعي ليس أداة تحل محل القدرات البشرية، وإنما عامل تمكين قوي لتوسيع نطاق القدرة البشرية، مفيداً أن هذه الرحلة لا تتعلق فحسب بالمنجزات التقنية، وليست سباقاً نحو أذكى ذكاء صناعي، إنما تتعلق بصياغة شراكة بين البشر والآلات، لحل التحديات الملحة ولجعل الذكاء الاصطناعي يعمل مع الإنسانية ومن أجلها.
ودعا من خلال هذه القمة إلى العمل من أجل ذكاء اصطناعي محوره الإنسان، حيث تعزز التقنية الإبداع والتعاطف الإنساني ولا تحل محلها، كما دعا إلى الانضمام لنقاشات القمة العالمية للذكاء الاصطناعي لتجسير الفجوة ولتحسين جودة الحياة، ولإيجاد مستقبل يمكن فيه للتقنية وللإنسانية أن ينسجما في حياتنا المعاصرة والمستقبلية وتزدهر في وئام مستمر.
التحديات في مجال الذكاء الاصطناعي
بدوره، تناول وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي، المهندس عبد الله السواحة، خلال الجلسة الأولى للقمة، التحديات الرئيسية في مجال الذكاء الاصطناعي أولها: الأجهزة وكفاءة الطاقة، مبيناً أن هناك قلة في كفاءة الطاقة المستخدمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبحسب السواحة، يكمن التحدي الثاني في التخزين والذاكرة، حيث يحتاج الإنسان لبعض الوقت لكي يتذكر، لكن هناك جهود ملموسة حالياً لتسريع عملية تطوير أجهزة الذاكرة من قبل العديد من المطورين العالميين.
أما التحدي الثالث فيتعلق بالنماذج، حيث قد يحدث الخلط بين المعلومات الحقيقية والخاطئة أو حدوث بعض التحيزات.
وتطرق السواحة أيضاً إلى استثمارات المملكة في التقنيات الجديدة، وقال: يمكننا القياس على الحوسبة السحابية مثلاً، حيث انطلق الابتكار فيها خلال عام 2006 حتى عام 2013، ومر القطاع بالكثير من التحديات على الصعيدين المادي والتقني كذلك، لكنها نجحت في الانتقال من صناعة بلغت قيمتها 10 مليارات دولار إلى سوق واسعة تتجاوز قيمتها نصف تريليون دولار.
وشهدت جلسات اليوم الأول من القمة العالمية نقاشات ثرية تحدث خلالها صناع السياسات الاقتصادية ونخب من المختصين في الذكاء الاصطناعي، ونقطة التقاطع بينها والذكاء العاطفي، إلى جانب أهمية الابتكار والحلول لمستقبل أفضل لهذه التقنية.
وجرى إطلاق العديد من المبادرات والبرامج وتوقيع الاتفاقيات، بما فيها توقيع مذكرة تفاهم بين (سدايا) والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتطوير نماذج عمل حديثة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
كما أطلقت وزارة الداخلية، والمديرية العامة للجوازات، وهيئة (سدايا)، ونيوم، البوابات الذكية في مطار خليج نيوم، لتوفير تجربة سفر سلسة وسهلة.
اقرأ أيضاً: عبدالله العثمان: رائد الأعمال السعودي الذي غير مشهد التكنولوجيا المالية في المملكة