يأتي مهرجان السدو في منطقة الحدود الشمالية بالمملكة كمناسبة سنوية صيفية، تجمع العائلة بإطار من الترفيه والتراث والتعلم، في خمس ليالي مخصصة لإحياء حياكة السدو بشتى الوسائل، والمهرجان ثمرة جهود مشتركة بين أمانة منطقة الحدود الشمالية وجمعية الترفيه للخدمات الترفيهية.
ويسعى القائمون على مهرجان ليالي السدو إلى ربط الأجيال مع بعضها البعض، من خلال تقريب مفهوم التراث الشعبي إلى الأذهان، عبر عدد من الأنشطة، التي لا تقف عند ورشات العمل والأكاديمية والمعرض والمسابقة المخصصة للسدو، الذي يمكن تعريفه ببساطه أنه عملية حياكة للصوف والوبر بالمغزل، وغالباً ما تعمل النساء في هذه الحرفة التراثية من الصباح وحتى المساء، لتوفير ما يلزم منزلها من المفارش والمساند وهي عادة لازمت النساء في شمال المملكة عبر التاريخ، وكانت أدوات الحرفة تتواجد في كل منزل تقريباً، أمّا اليوم فقد أخذت حياكة السدو شكلاً مختلفاً عن السابق.
ومن اللافت في المهرجان ركن أكايمية السدو وهي زاوية مخصصة لتعليم الأطفال على تفاصيل الحرفة التراثية، ويتولى الإشراف على الأكاديمية عدد من المختصين في الحرفة، ويبدأ الأطفال من هذا الركن البسيط باستكشاف عالم الحرفة التراثية، من أدوات وطرق وخامات، إضافة لمحاولة رسم النقوش والتكوينات المتشكلة على النسيج، وتتواجد على السجاد وبيوت الشعر وأثاث المنزل من مدات أرضية ووسائد، وتمتد منتجات النسيج الأثير عند السعوديين، لتزيين الإبل بوضعه حزاماً وزخرفة على أسرجتها وإخراجه بأبهى وأزهى الألوان.
ويتخلل مهرجان السدو عدد من المسابقات والتحديات، إضافة لعروض السيارات الرياضية والدراجات النارية، والعروض الفنية والغنائية والمسرحية، مضافاً إليها الأمسيات الشعرية.
كل هذا ينصب في إطار مستهدفات رؤية المملكة 2030، لرفع جودة الحياة عند المواطن السعودي، وأنسنة المدن عبر عدد من المهرجانات والفعاليات، التي تعكس طابعها المناطقي، وإخراج مكنوناتها من الكنوز الثقافية والتراثية، في أجواء من المرح والترفيه لاسيما للأطفال.
ويحرص المهرجان السنوي على تعزيز دور المرأة السعودية ومشاركتها في المهرجان، من خلال التذكير الدائم بدورها الريادي الفاعل في تطوير الحرفة الغنية بالنقوش والألوان فكانت خير حافظ لتراث الأمة، وناقلاً لخبرات متوارثة عبر قرون خلت.
من جانب آخر، تجتهد الورشات والمعامل القائمة على صناعة السدو التراثي في تقديم كافة المنتجات التراثية بأسلوب عصري، فهناك كرسي السدو الأرضي، الذي يجمع ما بين التراث والراحة والأناقة، ويمنح المكان الذي يوضع فيه لمسة آخاذة باللون الأحمر ومشتقاته، الذي يشكل الهوية البصرية الأساسية لهذا القماش الآسر، ويمكن استخدام منتجات السدو في الرحلات الخارجية أيضاً، لاسيما ليالي الصحراء التي يتحلق فيها الأخوة والخلان حول النار والطعام، فتأتي آرائك السدو المثلثة والسجاجيد المبطنة بالإسفنج مع الوسائد والجلسة العربية لتأخذ المكان إلى بُعدٍ آخر.
وتشهد قاعة الأهالي في مدينة عرعر خلال ليالي المهرجان حفلات سامر شعبية، وهي الرقص والغناء البدوي على أنغام الربابة، ليكتمل الطقس البدوي، مع عدد من القصائد المحلية، التي تروي عاطفة السعودي في مناطق الشمال ممزوجة بوجدان الأوائل، في بيوت الشعر والبيئة المحيطة التي تحرك شجون الإنسان وفطرته بأجواء الصحراء الباعثة على التأمل والتفكر.
وفي السياق لابد من الإشارة إلى أن أحد أشكال تطوير حرفة السدو، هو دخولها عالم تصميم الأزياء على أيدي مصممين سعوديين، استطاعو نقل النسيج التقليدي نحو مستوى أعلى، كذلك صنف غزل السدو على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي اللامادي، بوصفه نسيجاً محبوكاً من الخيوط المتوفرة حول الإنسان في البيئة البدوية المحيطة، مثل صوف الأغنام وشعر الماعز والإبل، والتي يتم تشكيلها بهيئة منسوجات تتخذ أشكالاً هندسية، بواسطة نول أرضي، يعطي قطعة من القماش المحبوك بمتانة لافتة، ما يتيح استخدامه في بناء الخيمة البدوية المقاومة لأجواء الصحراء القاسية، لكن السدو على الرغم من متانته إلا أنه يحافظ دوماً على إيقاع نسيجه، فعند النظر إلى الخيوط وتناسق ألوانها يتكشف مهرجان من الخطوط والألوان والنسج الرائقة التي تنساب في تناغم يتشارك خصائصه مع القصائد وأجواء الصحراء الساحرة.
وفي الختام تجدر الإشارة إلى أنّ مهرجان ليالي السدو يخصص 15 ركناً للأسر المنتجة لهذا النوع من النسيج، في مدينة عرعر بمنطقة الحدود الشمالية، وتحظى جميع هذه الأسر بدعم من بنك التنمية الاجتماعية، ويستمر المهرجان في إحياء التراث الخاص بالمنطقة خشية عليه من الاندثار ولتعريف الجمهور بالحرفة التقليدية الأصيلة.