في بلد تتضافر فيه الجهود لتحقيق نهضة نوعية على المستويات كافة، تعتاد مع الأيام على قراءة الإنجازات الاقتصادية والعلمية والثقافية التي تقوم في هذه البلاد، لكن ورغم ذلك ستشعر ببعض الدهشة عندما تعلم أن هذه البلاد ذات التضاريس الصحراوية تعمل على توطين زراعة الورد وإنتاجه حتى باتت تملك أكبر مزراع إنتاج الورود في العالم.
إذ أعلنت المملكة العربية السعودية عن جهود من أجل توطين زراعة الورد وإنتاجه لتلبية الطلب المتزايد عليه في الأسواق المحلية وخلق فرص عمل جديدة في القطاعين الزراعي والصناعي.
وبينت وزارة البيئة والمياه والزراعة أن الخطة تهدف لإيجاد بديل للورد المستورد بسبب ارتفاع تكلفته وانخفاض جودته، وفتح أسواق لتصدير الورد السعودي إلى دول الخليج والشرق الأوسط، على أن تقدم الوزارة حوافز داعمة بما يحقق عوائد مالية لمزارعي الورد منها: إنجاح زراعته نسيجياً وتقليل تكلفة إنتاجه، وتوفير أراض زراعية بأسعار تشجيعية لإقامة المشاريع، إضافة إلى طرح فرص استثمارية وتقديم صندوق التنمية الزراعية قروضاً تغطي 70% من تكلفة هذه المشاريع، وتوفير الدعم الفني لها، وأتمتة منح التراخيص.
كما تولي المملكة العربية السعودية اهتماماً كبيراً بالورد الطائفي ومشتقاته، من خلال برامج الدعم والاستثمار لتطوير الصناعات والممارسات. إذ قامت وزارة الزراعة السعودية بإرسال مزارعين إلى دولة بلغاريا المشهورة بإنتاج الورد ضمن برنامج تعاون مشترك بين الدولتين للاستفادة من الخبرات والممارسات في مجال زراعة الورد، وتقطيره، واستخداماته الطبية، والتجميلية.
خطوات عديدة قامت بها وزارة الزراعة خلال الفترة الماضية تخدم عملية توطين زراعة الورد، في مقدمتها: توفير أحدث التقنيات المتعلقة بهذا المجال، استخدام الأنظمة الذكية لتقليل تكاليف الإنتاج والأيدي العاملة، إنتاج الأنواع النادرة وذات الطلب المتزايد لزيادة العائد الاقتصادي للمشروع.
ويوجد في مدينة الطائف 910 مزرعة ورد تحتوي مليون و114 ألف شجيرة تتوزع في مساحة تقدر بنحو 270 هكتاراً، إذ تنتج 550 مليون وردة سنوياً، إضافة إلى مدينة تبوك التي تنتج أكثر من 28 مليون زهرة من مختلف أنواع الورود سنوياً، ويهتم السوق السعودي بالورد الطائفي اقتصادياً، إذ بلغ حجم الاستثمار فيه ومشتقاته أكثر من 64 مليون ريال، كما تم إنشاء 70 مصنعاً ومعملًا للورد للتركيز على استخلاصه وتصنيع أكثر من 85 منتجاً منه.
اقرأ أيضاً: مبادرات استثمارية مستدامة لتوطين المناخ الأخضر
برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة (ريف السعودية) كشف عن ارتفاع إنتاج الورد في المملكة العام الماضي بنسبة 34 في المائة، إذ وصل إلى 960 مليون وردة بعد أن كان 500 مليون وردة في عام 2020، وذلك ضمن خطة وزارة البيئة والمياه والزراعة للوصول إلى إنتاج ملياري وردة بحلول عام 2026.
وتم إطلاق برنامج ريف السعودية عام 2019 الذي يهدف للاستثمار الأمثل للإمكانيات الطبيعية والزراعية والمائية المتجددة، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة بين مختلف شرائح المجتمع، ويشمل مجالات: إنتاج وتصنيع وتسويق البن العربي، تربية النحل وإنتاج العسل، تطوير زراعة الورود والنباتات العطرية، إنتاج وتصنيع وتسويق الفاكهة، تعزيز قدرات صغار الصيادين ومستزرعي الأسماك، تطوير قطاع صغار مربي الماشية، المحاصيل البعلية، وتعزيز القيمة المُضافة من الحيازات الصغيرة.
واستفاد من البرنامج 433 من المهتمين بقطاع الزهور والنباتات العطرية بمنطقة جازان، وتم بناء مصنع استخلاص للورود والنباتات في أبو عريش، وإنشاء 4 عيادات متنقلة لتشخيص أمراض وآفات الزهور والنباتات الطبية والعطرية، إضافة لتقديم الدعم الاستشاري لتنفيذ المدارس الحقلية بتطبيق الذكاء الاصطناعي، و إنشاء بيوت محمية وعمل مظلات زراعية وشبكات ري لمدن الورد والنباتات العطرية، وإنشاء وتجهيز معمل لزراعة الأنسجة لإنتاج عالي الجودة في الرياض.
وتعتبر زراعة وإنتاج الورد صناعة واعدة على مستوى الوطن العربي والعالم، إذ بلغ حجم سوق الزهور العالمية نحو 33.8 مليار دولار في عام 2023، مع توقعات بوصول قيمته السوقية إلى نحو 48 مليار دولار بحلول عام 2030.
ولما كان الورد مثالاً خالداً للجمال يعكس من خلال ألوانه الزاهية وروائحه العطرة الكثير من عطاء الطبيعة للإنسان، كان من الطبيعي للإنسان أن يفكر في استثمار هذا العطاء على أحسن وجه، وفي السعودية تتكاتف جهود الأفراد والمؤسسات لدعم هذه الزراعة وتشجيع الإقبال عليها من خلال تقديم مزايا عديدة، وتوفير البنية التحتية اللازمة لتطويرها بما يجعل من السعودية وجهة عالمية في عالم الزهور.
اقرأ أيضاً: دعماً للمزارعين.. السعودية تطلق حملة موسم حصادها