لا تزال الخيول النبيلة تستخدم في العلاجات التقليدية، فعلى الرغم من التقدم الكبير في أساليب العلاج إلا أن الطب البديل أو التقليدي يحافظ على مكانته، ومنها العلاج بالخيول.
ويعود السبب في اختيار الخيول للعلاج لما تمتلكه من إحاسيس ومشاعر يستطيع الإنسان لمسها والإحساس بها، ففي مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الإنسانية يعد تجارب العلاج بالخيول واحدة من الأساليب الحديثة لتحسين قدرات الأطفال الحركية، إذ تساهم هذه البرامج في تقوية العضلات، وتحسين التوزان، وتعزيز التنسيق الحركي، وقد لاحظ الفريق الطبي تحسن ملحوظ في حالات الشلل السفلي.
يتم التركيز في تجارب العلاج بالخيل على استقامة الظهر والاتزان سواء أثناء الجلوس أو محاولة الوقوف، وقوة الجذع، ويشير أخصائي العلاج الطبيعي أن تجارب العلاج بالخيل تستوحى من نمط مشية الخيل من الأمام للخلف، التي تولد مدخلات حسية تحسن لدينا الجهاز العصبي، وبالتالي تُحسن التوازن والاستقامة في العمود الفقري.
ويقوم رأي الإرشاد النفسي على أن الدول المتقدمة بدأت تلاحظ مدى أهمية الرياضة بشكل عام في تحسين النشاط البدني والنفسي، في حين فيما يخص العلاج بالخيل فإن تاريخياً للخيل أهمية كبيرة في حياة الشعوب عامةً والشعوب العربية خاصةً، بدءً من العصور القديمة وحتى الوسطى إلى العصر الحديث، إذ جاءت المدرسة الأمريكية الحديثة التي فرقت بين العلاج بالهايبوثيرابي والعلاج بالخيل، فالهايبوثيرابي يستفيد منه من كان لديه مشاكل طبية أو نفسية ولكن العلاج يتم حصراً برفقة أخصائي وظيفي وأخصائي علاج طبيعي، أما العلاج بالخيل يكون لدى من يريد أن يكون لديه الثقة وتحسين جودة الحياة لديه.
يستهدف برنامج العلاج بالخيل أو ما يسمى الهايبوثيرابي ضعف النمو الحركي، متلازمات مثل التوحد، وتشتت الانتباه وغيرها من الأمراض النفسية والعضوية المترافقة مع بعضها، ويشمل البرنامج الأطفال من عمر السنتين ويشترط تحكم الطفل برقبته.
وبالنسبة إلى الدراسات والأبحاث داخل المملكة العربية السعودية بخصوص موضوع العلاج بالخيل فهناك ندرة في هذه الأبحاث إلا أن هناك دراسة قامت عام 2021 في جامعة الطائف إذ قاموا بالجمع بين العلاج بالخيل ومرض الجنف أو الميلان في الظهر، ووجدت الدراسة أن هناك استجابة وفائدة للعلاج بالخيل في هذا الجانب مع الحفاظ على تمارين علاج الجنف.
وفي مقارنة بين العلاج بالخيل والعلاجات الأخرى الطبيعية، فإن الأول هو علاج مكمل، بينما يأتي العلاج العضوي بالمقدمة، فيجب تشخيص المرض والأخذ بأسباب العلاج الدوائي والعضوي، ثم يتم اللجوء للعلاج بالخيل كمتمم ومساعد للشفاء من المرض، وتقوم التحديات الأساسية لهذه الطريقة ليس في العلاج بحد ذاته، وإنما في اختيار الخيل المناسب، وسلوكها وغير عدوانيتها أو ما يسمى خيول المدارس، ويتم التركيز أن تكون الخيل خالية من الإصابات فإذا كانت الخيل مصابة وتعرج فإن الطفل أو المريض سيتعلم العرج في مشيته كسلوك طبيعي.
وتعد المدرسة الأمريكية IPT من المدارس المعتمدة للعلاج بالخيل إضافةً إلى المدارس الأوروبية، وفي الوطن العربي هناك السعودية ومصر والأردن يعتمدون العلاج بالخيل، ويتم بأول خطوة تعرف الطفل الخيل وإطعامه ولمسه، ثم الركوب عليه بالطريقة المعترف عليها والتمسك، ثم في الجلسات التالية يتم فيها الركوب بطريقة معاكسة أو النوم على ظهر الخيل.
اقرأ أيضاً: عيش تجربة الفروسية المتكاملة في موسم سباقات الخيل في الطائف 2024
فرق طبية سعودية في العلاج بالخيل
“صهوة أمل” هو فريق تطوعي سعودي أسهم في علاج شابين بشكل نهائي، الأول مريض بسبب تأثره من نقص الأكسجين وتسبب له بالشلل الدماغي، إذ تمكن الفريق من جعل الشاب يقف على قدميه بعد 29 عاماً ملازماً كرسيه المتحرك، والثاني شابة كانت تشكو خلعاً في الحوض، وبعد أول رحلة على الخيل، تمكنت من المشي.
في حين يعمل المركز على علاج أشخاص آخرين، تواصل أريج العبدالله، مديرة فريق صهوة أمل، انطلاقتها في رحلة تطوير هذا الفريق ودراسة الحالات التي انكبت عليها ووضع خطة علاجية مناسبة باللجوء إلى الخيل بعدما أثبتت الدراسات تأثيره.
أريج أوضحت أن التجارب أسفرت بنجاحات على ذوي الإعاقة بعد اعتمادهم في العلاج على برنامج من التدريبات النفسية والحركية وفقا لكل حالة ليتمكن ذوو الإعاقة من التحكم في الخيل وكذلك التحكم في حركتهم تدريجياً، وقالت: ” فالخيل والفروسية توفر أسلوباً علاجياً مبتكراً لبعض حالات الإعاقة الحركية، أو المصابين بنقص النمو”، وأضافت أن الخيول قادرة أيضا على معرفة مشاعر المريض والتعامل معه وكذلك الاستجابة الفورية وإعطاء ردة الفعل لإنشاء المريض أو سلوكه.
بدورها، أشارت الدكتورة ريهام حجة متخصصة بالعلاج بالخيل إلى أن العلاج عن طريق ركوب الخيل هو من الوسائل العلاجية الحديثة نسبياً، والذي بدأ ينتشر أخيراً في علاج الكثير من حالات الإعاقة وأهمها حالات الشلل الدماغي والصلب المفتوح والعديد من الاضطرابات الحركية والحسية سواء.
وتعتمد هذه الوسيلة في المقام الأول على التوافق الحركي بين حركة الحصان وراكبه حيث تنتقل تموجات الخيل الناتجة من تحركه للأمام والخلف أثناء سيره مباشرة إلى فهم الطفل، فتساعده على فهم كيفية حركة الإنسان السليم، من خلال إدراك المعاق لها رغم افتقاد الشعور بها.
اقرأ أيضاً: نظام المعاملات المدنية خطوة متقدمة نحو تحقيق العدالة
تطور العلاج بالخيل تاريخياً
أبقراط” ذكر لأول مرة استخدام الخيول علاجياً في كتاباته اليونانية القديمة حوالي عام 400 قبل الميلاد، فإن المعالجين في أوروبا لم يبدؤوا حتى الستينيات من القرن الماضي في استخدام الخيول لمساعدة المرضى الذين يعانون من الاضطرابات العصبية العضلية مثل الشلل الدماغي أو إصابات الدماغ.
وفي عام 1875 ظهرت أول دراسة علمية موثقة حول فائدة ركوب الخيل للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عصبية وصعوبات حركية واضطراب في التوازن، وخلال الحرب العالمية الأولى وبعد أن كثرت الإصابات بين الجنود والمدنيين أصبحت كثير من مصحات العلاج والأطباء في المملكة المتحدة ينصحون مرضاهم من المصابين حركياً بممارسة ركوب الخيل.
ويعتقد المعالجون أن حركة الحصان أحدثت تغيرات عصبية ساعدت في تحسين التحكم بوضعية الشخص وقدرته على ضبط مشاعره وسلوكياته.
عاد المعالجون الأميركيون والكنديون المدربون في أوروبا بخبرات العلاج بركوب الخيل في ثمانينيات القرن الماضي، وشكلوا الجمعية الأميركية للعلاج بركوب الخيل، وكان التركيز الأساسي لهذا النوع من العلاج لمساعدة ذوي الإعاقات الجسدية.
يقول لويس برادي، اختصاصي أمراض النطق واللغة ومؤلف كتاب “تطبيقات من أجل التوحد” أن الحصان يعد حافزاً قوياً، ويمكن الاستفادة من هذا الحماس في تدريس التواصل أو المهارات الاجتماعية أو الحركية الدقيقة أو أي مهارة مستهدفة”، وتابع “قد يشعر الأطفال براحة أكبر في التواصل مع الحصان أكثر من التواصل مع الإنسان. ولحسن الحظ، يمكن للمعالجين مساعدة الأطفال في توجيه أصدقائهم من الخيول باستخدام جميع طرق الاتصال، بما في ذلك الإشارات والقدرة على التعبير”.
اقرأ أيضاً: الصحة السعودية: من حقوق المرضى معرفة فريق علاجهم الطبي
متى يحتاج الطفل العلاج بالخيل؟
إذا كان الطفل يعاني من إعاقة مثل التوحد أو اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة وتتطلب العلاج الوظيفي (العلاج الطبيعي)، أو علاج مشكلة التخاطب والنطق، فإن العلاج بركوب الخيل هو خيار مثالي له، خاصة إذا كان الطفل يحب الخيول والحيوانات بصورة عامة.
وإذا كان الطفل يميل إلى سلوك الانزلاق على الأسطح أو الاصطدام بالأشياء، مما يشير إلى ضعف وعيه بالجسم والتحكم في سلوكياته، وإذا كان الطفل يعاني من فرط الحركة ويتجنب الجلوس لفترة طويلة، إضافةً إلى إذا كان الطفل يعاني من صعوبة في اتباع التعليمات والتواصل بالكلمات أو الصور أو الإيماءات.
تقول ميلاني بوتوك، اختصاصية أمراض النطق واللغة والتخاطب ومؤلفة كتاب “وجبات سعيدة Happy Mealtimes with Happy Kids مع الأطفال السعداء إن العلاج بركوب الخيل يوفر التحفيز الحسي الذي يساعد الطفل على التحكم في جسمه للقيام بمهام معقدة”.
ويتحكم المعالج دائماً في حركة الحصان ويختار الأنشطة التي ستساعد في تحقيق نتائج محددة، مثل تقليل توتر العضلات كالتشنج بحركة بطيئة ومنتظمة للحصان، وتحسين الانتباه والتحكم في الوضع بحركات سريعة غير منتظمة، وتحسين التنسيق بين استخدام عضلات الجانب الأيمن والأيسر من الجسم بصورة متزنة في أثناء توجيه الحصان واستخدام اللجام، وتطوير المهارات الحركية لدى الطفل، وتعزيز قدرة الطفل على التحكم بجسمه.
عالمياً يوجد مركز ديلا بليزيز لإعادة التأهيل والتعافي في ميسينيا هو عيادة كاملة التجهيز لإعادة التأهيل للمصابين بإعاقات جسدية، وهو مركز متفرد في بلده الطيبة اليونان، وتأسس هذا المركز ليخاطب المشكلات التي يواجهها المرضى بسبب مرضهم أو إصابتهم بعد الخروج من المستشفى بشكل
أساسي وفعال، ويتضمن المركز العلاج بالخيل كإحدى الطرق لإعادة تأهيل الجعاز العصبي والحسي لدى المرضى.
اقرأ أيضاً: 28 أخصائياً سعودياً ينالون البورد الأمريكي في التوحد