يعد نظام المعاملات المدنية السعودي من أهم التشريعات التي صدرت مؤخراً في المملكة، حيث يمثل الإطار القانوني العام لتنظيم جميع التعاملات والمعاملات بين الأفراد، وسيحقق تطبيقه نقلة نوعية في تاريخ القضاء السعودي، حيث سيسهل على القضاة عملية الرجوع إلى الأحكام، بعد أن كانت متفرقة في كتب الفقه المختلفة.
ويشتمل نظام المعاملات المدنية على أربع أنظمة وهي الإثبات، والأحوال الشخصية، الجزائات والعقوبات، والمبادئ القضائية.
جاء في تقرير صدر عن ملتقى أسبار تحت عنوان: “نظام المعاملات المدنية السعودي جوهر القوانين السعودية الحديثة”، قدم تحليلاً معمقاً لدور نظام المعاملات المدنية الحديث في تحقيق العدالة ودعم عملية الإصلاح القضائي الجارية في المملكة العربية السعودية.
ويؤكد التقرير أن نظام المعاملات يمثل نقلة كبرى منتظرة ضمن منظومة التشريعات المتخصصة، وقد روعي في إعداده الاستفادة من أحدث الاتجاهات القانونية وأفضل الممارسات القضائية الدولية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وأتى منسجماً مع التزامات المملكة الدولية في ضوء الاتفاقيات التي صدقت عليها، بما يحقق مواكبة مستجدات الحياة المعاصرة.
وأشار التقرير أن النظام تضمن 721 مادة غطت مجمل التعاملات المدنية المتصورة بين الناس، ويشتمل نظام المعاملات المدنية على أحكام تحدد جميع ما يتعلق بالعقود مثل: أركان العقد، وحجيته، وآثاره بين المتعاقدين والأحكام المتعلقة ببطلانه وفسخه وأحكام الفعل الضار وقواعد التعويض عنه، وتطرقت نصوصه النظامية كذلك إلى جميع صور الملكية وأحكامها وكذلك تقرير مبادئ التعويض عن الضرر المادي والمعنوي.
ووفقاً للتقرير فقد صدر النظام في إطار تطوير البيئة التشريعية في المملكة، ضمن مجموعة من الأنظمة الهدف منها الإسهام في زيادة التنبؤ بالأحكام القضائية، ورفع مستوى الشفافية، إلى جانب تعزيز استقرار الأحكام القضائية، وزيادة الثقة في البيئة الاستثمارية في المملكة. ويعد النظام حاكما على جميع المعاملات المدنية، ما لم يوجد نظام خاص ينظم معاملات خاصة.
وخلص تقرير ملتقى أسبار إلى مجموعة من التوصيات منها ضرورة تعزيز الثقافة القانونية لدى أطراف العملية القضائية مثل القضاة والمحامين ورفع مستوى الوعي القانوني لدى المجتمع بشكل عام، وضرورة التدريب والتأهيل للقضاة والمحامين وغيرهم لضمان فهم جيد للنظام وتطبيقه بشكل صحيح، كما تشير التوصيات إلى ضرورة العمل على تفعيل النظام من خلال إصدار اللوائح والقرارات التنفيذية ذات الصلة وتطوير التدريبات والبرامج التعليمية لمختلف العاملين في المجال القانوني.
وتضمنت التوصيات أهمية توجيه مراكز البحوث لعمل دراسات تضمن تفعيل مستهدفات النظام وتحقق الأهداف المخطط لها من شن وإصدار نظام المعاملات المدنية، وحث الجامعات على تحديث خططها الدراسية لتتوافق مع الأنظمة العدلية الجديدة وتخصيص مقررات لتلك الأنظمة، واختيار موضوعات الرسائل الجامعية المتخصصة في شرح موضوعات النظام ومواده، إضافة إلى ضرورة تأصيل مبادئ للتعويض المادي والمعنوي وتقديره واحتسابه والبحث والتدريب في مجاله.
وقد كانت المملكة بين خيارين أحدُهُمَا مدرسة “القانون المدني” “Civil Law” وهي التي تعتمد على النص النظري، وبين مدرسة “القانون المُجَمَّع” “Common Law التي تعتمد على التطبيق القضائي وقد اختارت المملكة مدرسة القانون المدني لأَنَّهَا الأكثر انتشاراً، والأقدر على تجاوز التناقضات التطبيقية للقانون.
ففي القانون المدني يتم إسقاط القواعد النظرية الجاهزة على الوقائع العملية الأمر الذي يَضمَنُ هامشاً من توقع التطبيق القضائي، أما في القانون المجمع فيتم إسقاط الاجتهاد القضائي التطبيقي المستقرّ وبعض القواعد التفصيلية المتناثرة على الوقائع العملية، وهو ما قد يُسبّب غموضاً في البيئة التشريعية الأساسية، وقد يذهب بعيداً في سلطة التقدير القضائي بما يصعب تَوَقُعِ مَدَاهُ أو تحديد مُنتَهَاهُ.
بينما تعد أهم الأحكام الجوهرية التي يُنَظّمُها التقنين المدني، هي نظريتي العقد والالتزام، والتي تشمل الحقوق من حيث طبيعتها، وقيامها، وتُبُوتِهَا، والتنازل عنها، وانقضائها، سواءً أكانت حقوقاً أصلية كالملكية، أم تبعية أي التي تتبع عين عقار كالرهن، والعقد من حيث الإيجاب والقبول، والإبرام والآثار، والالتزامات، إضافةً إلى المسؤولية المدنية عبر تحديد أركانها في الخطأ والضرر والعلاقة السببية، وتحديد كيفية قيام المسؤولية ونفيها.
اقرأ أيضاً: أرامكو السعودية تبدأ إصدار صكوك بالدولار
هذه الأحكام التشريعية الجوهرية هي في الواقع قواعد قانونية عامة، سيتبعها قواعد تفصيلية لكل العقود والتصرفات ذات الطبيعة الخاصة كالعقود التجارية.
يتم الانتقال في المملكة نحو نظام التقنين شيئاً فشيئاً، إذ ستشمل خطوات الانتقال هذا جميع الوقائع والتصرفات والأفعال التي تحتاج إلى تدخل تشريعي هكذا حتى تُصبح البيئة التنظيمية في المملكة بيئة تشريعية.
وأوضح ولي العهد محمد بن سلمان عندما أصدر نظام المعاملات المدنية أن النظام جاء منطلقاً من أسس تتمثل في حماية الملكية، واستقرار العقود وحجيتها، وتحديد مصادر الحقوق والالتزامات و آثارها ووضوح المراكز القانونية، مما ينعكس إيجاباً على بيئة الأعمال ويزيد من جاذبيتها، ويسهم أيضاً في تنظيم الحركة الاقتصادية واستقرار الحقوق المالية، وفي تسهيل اتخاذ القرارات الاستثمارية، إضافة إلى تعزيز الشفافية وزيادة القدرة على التنبؤ بالأحكام في مجال المعاملات المدنية والحد من التباين في الاجتهاد القضائي وصولاً إلى العدالة الناجزة والإسهام كذلك في الحد من المنازعات.
كما أوضح أن المصلحة اقتضت صدور نظام المعاملات المدنية في موعد يختلف عن الذي كان محدداً له سابقاً وهو الربع الرابع من عام 2022م، وذلك لإجراء مزيد من الدراسة والتدقيق والمراجعة لأحكامه وأنه استحدثت لجانا لهذا الغرض من خبراء على مستوى عال، نظراً إلى أهمية النظام وحساسيته و ارتباطه بأنظمة عديدة ومجالات مختلفة وأنشطة متنوعة مما يقتضي إحكام نصوصه، والتأكد من توافق أحكامه مع أحكام غيره من الأنظمة ذات العلاقة ومواءمتها لتلك المجالات والأنشطة؛ سعياً إلى تجويدها وضمان كفاءة النظام في تحقيق الأهداف التي وضع من أجلها.
والجدير بالذكر أنه من الممكن أن يتغير الحكم قبل وبعد صدور نظام المعاملات المدنية، ويتم اعتماد الحكم الجديد وإيقاف تنفيذ والأخذ بالحكم القديم، كما ويوفر نظام المعاملات المدنية على المواطن استشارة محامي لأنه واضح ويشمل كافة المواقف والمشكلات القضائية.
اقرأ أيضاً: اليوم العالمي للقانون في السعودية