علاقة وثيقة كانت تربط خميس بن رمثان بالأرض، إذ كان يجوب الصحراء غير متوقعاً أن تحت هذه الأرض القاحلة كنوز من الذهب الأسود، فبينما كان خميس بن رمثان يمارس حياته اليومية بين قومه في صحراء الدهناء طُلب منه أن يستخدم معرفته الكاملة في أرضه ليكون دليلاً للبعثة الجيولوجية الاستكشافية التي عُهدت إليها مهمة التنقيب عن النفط في شرق المملكة العربية السعودية.
لا أحد يمكن أن يصدق أن ذلك الفتى النحيل سيكون أحد أشهر أدلة الصحراء وستولد أمة جديدة على يديه، فبعد عناء خمس سنوات من البحث والتنقيب عن النفط ومرافقة البعثة الجيولوجية تم اكتشاف أول بئر للنفط، وكانت هذه آخر فرصة للبعثة للوصول إلى النفط، إلا أن هذه الأرض أبت أن تخذل أبنائها.
وفي تفاصيل القصة، عمل “بن رمثان”، دليلاً مع “أرامكو“، ومكلفاً من قبل الملك عبد العزيز بالعمل معهم من عام 1353 هجرية بعد توحيد المملكة بعامين، وتحديداً مع بداية عام 1934م، ليبدأ بتتبع كل المواقع الذي يعرفها وموارد المياه، وحينما استعانت أرامكو بـ “ابن رمثان”، لم يؤمن رجالها بما لديه من معرفة بالطرق والمواقع، ورغم وجود بعض الأجهزة في ذلك التاريخ مع الجيولوجيين الأميركيين، إلا أن الحدس والمعرفة بمسار النجوم والاتجاهات كانت الأقوى لدى ابن رمثان، وعندما عجزت هذه الأجهزة عن تحديد المواقع مع بدايات التنقيب، جلس مجموعة من الجيولوجيين في حيرة من أمرهم، ليهب ذلك النحيل أمامهم، قائلاً “أنا أستطيع أن أمشي بخط مستقيم.
كان ابن رمثان من المحبين لوطنه وقد وافق على تلك المهمة مساعدة لوطنه في رفع وارتقاء اقتصادها، حيث كان في تلك الفترة اقتصاد السعودية قائم فقط على رحلات الحج ، وعندما قامت شركة أرامكو بالتنقيب عن البترول ووقوع الاختيار على بن رمثان ليكون دليلها لم يتردد في الموافقة على تلك المهمة.
ويعد “ابن رمثان”، أشهر دليل مواقع، حيث وصفه أحد الجيولوجيين في ذلك الوقت، توماس باركر في كتابه out in the blue قائلاً: “في الصحراء لا يتيه خميس أبداً لأنه بالإضافة إلى حاسته السادسة، وهي نوع من البوصلة الدفينة التي لا تخطئ كان لديه ذاكرة مدهشة تمكنه من تذكر دغلة كان قد مر بها وهو شاب أو اتجاه موقع بئر سمع عنها قبل عشر سنوات”.
وبعد أن كلف الملك عبد العزيز شخصين أحدهما أميركي والآخر سعودي للبحث والتنقيب طبقاً لامتياز شركة أميركية سخرت جهودها للبحث عن النفط بشكل تجاري في المنطقة الشرقية وذلك في إطار العمل على البحث عن موارد مهمة لتحقيق النمو الأقتصادي ورغم أن الشركة يئست حينها من وجود النفط إلا أن “ماكس ستاينكي”، ورفيق دربه الخبير الصحراوي خميس بن رمثان، جابا الصحاري بحثاً عن ينبوع الخير حتى تدفق بين يديهم البئر رقم 7، بعد 7 محاولات فاشلة، وعدّه وزير النفط السابق علي النعيمي، مع ستاينكي الأميركي من الشخصيات الملهمة له في سنواتهم الأولى في العمل للبحث عن النفط في السعودية قد أطلق عليه «بوصلة الصحراء التي لا تُخطئ».
ولد خميس بن رمثان العجمي في بداية القرن العشرين في الأحساء شرق المملكة، وتنحدر أصوله من قبيلة العجمان التي اشتهر الكثير من أبنائها بمعرفة دروب ومواقع وموارد المياه الصحراء الجزيرة العربية، وكان يسكن الخيام مع أسرته في صحراء الدهناء، حينما كلف بالعمل مرشداً/ دليلاً للبعثة الأميركية التي حصلت على امتياز التنقيب عن الزيت في شرق المملكة العربية السعودية.
كما كان ماكس ستاينكي أشهر الجيولوجيين، الذين عملوا في شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، وتم انتدابه من قبل الشركة للعمل في المملكة في مهمة اكتشاف النفط، وأوشكت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا أن تنهي المهمة بعد مواجهة العقبات والصعوبات في البحث عن النفط، لكن ماكس ستاينكي وبرفقته دليله الماهر البدوي خميس بن رمثان أصرا على الاستمرار في البحث عن الذهب الأسود.
وفي لمحة عن شريك بن رمثان، أصبح ماكس ستاينكي أكبر الجيولوجيين في شركة كاليفورنيا العربية للنفط (كاسكو) ، التي تحولت إلى شركة الزيت العربية الأمريكية، وقد تخرج ماكس ستاينكي في جامعة ستانفورد بشهادة البكالوريوس في علم الجيولوجيا في عام 1921 ثم عمل على اكتشاف النفط بعد تخرجه في كاليفورنيا وألاسكا وكندا وكولومبيا ونيوزيلاندا قبل الانتقال إلى المملكة العربية السعودية للبحث عن النفط فيها من خلال شركة ستنادارد أويل أوف كاليفورنيا.
بينما عمل «ابن رمثان» دليلاً رسمياً من قبل الحكومة السعودية لأكثر من 20 عاماً، يجوب الصحاري بحثاً عن النفط الذي أصبح رفيق حياته، وفي العام 1942 أصبح موظفاً رسمياً في شركة أرامكو التي عمل بها كل ما تبقى من حياته القصيرة، توفي في مستشفى أرامكو بالظهران عام 1959م أثر مرض عضال.
تكريمات لمغّير تاريخ السعودية خميس بن رمثان
وفي خطوة لتكريم هذه الشخصية التاريخية، تم اختيار الفنان القدير محمد طلق لتجسيد دور خميس بن رمثان العجمي في عمل سينمائي ضخم من إنتاج شركة أرامكو، يجسد قصة اكتشاف النفط وكيف كان لهذا الاكتشاف أثره العميق في تاريخ المملكة.
تدور أحداث الفيلم حول بعثة أميركية للتنقيب عن النفط برئاسة الخبير الجيولوجي الشهير ماكس ستاينكي، والتي كلف الأمير عبد الله بن جلوي خميس بن رمثان العجمي بمرافقتها
وتقديم المشورة لها في رحلة التنقيب في شرق المملكة العربية السعودية. ومع فشل البعثة في تحديد الموقع الصحيح للحفر، تدخل خميس بن رمثان بحنكته وخبرته كمكتشف ودليل ليحدد المكان المناسب للشركة العالمية، وكان هذا المكان هو أكبر بئر نفطي في المملكة، مما أدى إلى تغيير مسار التاريخ الاقتصادي للمملكة.
اقرأ أيضاً: الصناعة الموسيقية.. ما هي قصة فيلم أندرقراوند (Underground) السعودي؟
يُعد هذا الفيلم السينمائي، الذي يتناول هذه القصة التاريخية المهمة، الأضخم في مسيرة الفنان محمد طلق من حيث حجم الحدث التاريخي وأهمية الشخصية التي يجسدها، فضلاً عن كونه من إنتاج شركة عالمية مرموقة مثل أرامكو، وعبر الفنان محمد طلق عن سعادته الكبيرة بتجسيد هذا الدور التاريخي المميز، مشيراً إلى الجهد الكبير الذي بذله ليعطي هذه الشخصية حقها ويجسدها بأمانة ودقة، وأضاف طلق أن هذا العمل يمثل تحدياً كبيراً في مسيرته الفنية ولكنه يشعر بالفخر والاعتزاز بعد أن نال أداؤه إعجاب جميع القائمين على العمل، معبراً عن أمله أن يوفق في إيصال هذه القصة الملهمة للمشاهدين بالشكل الذي تستحقه.
من جانبه، تحدث الفنان الأستاذ محمد طلق لإحدى الصحف عن هذا العمل، مشيداً بمثل هذه الأعمال التي تبرز أهمية الشخصيات التاريخية والأحداث المفصلية في تاريخ المملكة العربية السعودية، وأكد طلق أن هذا الفيلم ليس مجرد عمل فني، بل هو توثيق لأهم تحول اقتصادي في تاريخ المملكة، مشيراً إلى الفكرة والعمل الذي يسلط الضوء على اكتشاف النفط وما لهذا الاكتشاف من تأثير عميق في رسم مسار
التطور والازدهار الذي تعيشه المملكة اليوم، وأضاف أن تقديم هذه القصة التاريخية يعزز من وعي الأجيال القادمة بأهمية هذا الحدث والشخصية التي كانت وراءه.
بهذا العمل، يساهم الفنان محمد طلق في إحياء ذكرى إحدى أعظم الشخصيات في تاريخ المملكة، ويسلط الضوء على جزء مهم من مسيرة المملكة نحو التنمية والازدهار، مما يضيف لهذا الفيلم بعداً تاريخياً وثقافياً يعزز من قيمته الفنية والوطنية.
ولم يكن العمل السينمائي التكريم الوحيد لابن رمثان فقد أعادت شركة النقل البحري “البحري” السعودية، كتابة سيرة خميس بن رمثان”، بتسمية إحدى ناقلاتها العملاقة، باسم بن رمثان منذ أربع سنوات، بحضور حفيد بن رمثان شبيب بن محمد بن رمثان.
كما أطلقت “أرامكو”، عام 1974، اسم “ابن رمثان على أحد حقول النفط المكتشفة في المنطقة الشرقية تخليداً لاسمه، حيث ساهم في اكتشاف أول بئر نفط في السعودية، وسمي في ذلك الوقت ببئر رقم 7 أو بئر الخير.
من جهته، أوضح شبيب بن محمد بن خميس بن رمثان، حفيد الدليل المشهور ، أن “البحري” السعودية دشنت الناقلة العملاقة ومن قبلها سمت أرامكو أحد الحقول باسم بن رمثان، إيماناً بما قدمه هذا الرجل.
وأشار شبيب إلى أنه في أحد الاحتفالات الرسمية لـ “أرامكو” السعودية، دخل بالصدفة إلى جانب وزير النفط السابق علي النعيمي، وحينما سلمت عليه وهو يسير وعرفت بنفسي، وحينما سمع اسم عائلتي بن رمثان توقف وهو مندهش لشدة حبه لهذا الرجل وما قدمه من إنجازات على صعيد البحث عن النفط، وقال شبيب إن “أرامكو”، طبعت كثيراً من التذكارات وعليها صور بن رمثان”.
اقرأ أيضاً: ما هي قصة السيف الأجرب سيف ملوك السعودية