شهدت منطقة جدة التاريخية منذ العام 2021 وحتى اليوم عدداً من التطورات التي صقلت وجه المدينة الثقافي، وحولته إلى وجهة جامعة تستقطب ملامح الإبداع والثقافة والتاريخ وتختزنه في أروقتها.
وكانت الجهود المبذولة بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء، وتنفيذ وزارة الثقافة، التي وضعت برنامجاً متكاملاً لتنفيذ مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية الذي أطلقه الأمير السعودي.
ومع مرور ثلاثة أعوام من العمل الدؤوب والإبداعي، بدأت مرحلة جني الثمار، فعلى صعيد المعيشة، تحولت جدة إلى مركز جاذب للأعمال والمشاريع، بسبب الجهود المبذولة لتحويل جدة التاريخية إلى قبلة لرواد الأعمال، فشهد المكان استثماراً كبيراً في المكونات الثقافية، من مواقع ومفاهيم وعمران، ألفت بمجملها فضاءاً حيوياً جذاباً، تتركب تفاصيلها بمنتهى الدقة والإبداع والتكامل.
وفي السياق ذاته، شهدت جدة التاريخية أول عملية استثمارية في التاريخ كمفهوم، عبر تحويله إلى رافد اقتصادي استند إلى الغنى الطبيعي في المنطقة، لينهض ويحكي قصة المكان وأهله إلى كل زائر، مع توظيف مميز للواجهات البحرية والمساحات الخضراء التي تلف المعالم التراثية في المكان، ما جعل كل من يقصد جدة يقع في مصيدة سحرها وتاريخها الناطق من الزوايا.
وعلى ذات المنوال جرى تدعيم وترميم 233 مبنى تراثي في المنطقة التاريخية، وكانت أغلب هذه المباني تحتفظ بتفاصيل ثرية لكنها بحالة استدعت الترميم وإلا كانت مهددة بالتلاشي، وتوزع العمل على ثلاثة أقسام، الأول دراسة المخطط الأولي لأعمال ترميم 89 مبنى، أما الثاني فهو ترميم 58 مبنى، في حين اتجه القسم الثالث إلى إعادة التأهيل للأبنية التراثية، وشمل هذا الإجراء 35 مبنى.
بالتوازي حظيت المبادئ المعمارية للمنطقة باهتمام لافت، لاسيما تلك المتضمنة للقيم التاريخية، وهي حالة يمثلها كل من برحة بيت جوخدار وبرحة بيت البلد، التي تعامل معها برنامج جدة التاريخية بوصفها بيوتاً للتاريخ وعناصر تراثية في الوقت عينه، والتي جرى الإنتهاء من ترميمها أيضاً.
ومن الجدير بالذكر أن أعمال البرنامج المخصص للمنطقة لم تقتصر على الجانب المعماري وأعمال الترميم بل تعداها إلى جهود التنقيب عن الآثار، ومما أثمرت عنه جهود المشاركين في البرنامج والمختصين بهذا الجانب، العثور على 25 ألف قطعة أثرية غير مكتملة، تعود لحقب زمنية متنوعة، دلت على عمق تاريخ وحضارة المكان، وأقدم قطعة من بين اللقى والمكتشفات الأثرية تعود للعصور الإسلامية الأولى، أي ما يصطلح تسميته بالمرحلة المبكرة، الأمر الذي أكد على حضارة البقعة، وأهمية اتخاذ خطوة إعادة إحيائها.
وفي تفاصيل اللقى الأثرية، والتي شملت 4 مواقع لأعمال التنقيب، العثور على قطع خزفية تجاوز عددها 11 ألف قطعة، ومواد صدفية تجاوز عددها الـ 1500 مادة، إلى جانب مواد زجاجية ومواد بناء كانت تستخدم في العصور الأولى، ومن بين المكتشفات أيضاً ساريتان من الخشب يعودان للقرن الأول الهجري، ويعتقد أنهما الساريتان على مسجد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان.
اقرأ أيضاً: جدة التاريخية تتحول إلى تجربة طعام فريدة
وفي سياق منفصل، لم يقتصر إحياء البلدة القديمة على الترميم والتنقيب، بل تعداه إلى التأسيس لبعد جمالي يشمل التفاصيل كافة، فواجهات المباني اكتست بصبغة جديدة، وأرصفة المدينة حصلت على صيانة شاملة، أما مخالفات البناء أزيلت بالكامل، ما أكسب المكان ميزة للناظر ورونقاً غامراً للزائر والمقيم.
ومن المناطق التي شملتها أعمال التجميل الحضارية، سوق الندى التاريخي، وشارع الذهب، إلى جانب حديقة الأربعين، فمع نشر المجسمات في أركان حديقة الأربعين، حظيت المساحات الخضراء الأخرى في المدينة بتنسيقات جمالية أكسبت المكان سحراً لم يسبق له مثيل، ويليق بمعالم المدينة القديمة، بما يكمل مشهداً من الراحة والغنى الفكري والحضاري ويعزز الاستدامة في كافة التفاصيل.
فعلى سبيل المثال ولتعزيز الاستدامة زرع القائمون على المشروع 120 ألف متر مربع من المساحات العامة، إلى جانب تجميل 150 ألف متر مربع، وطلاء 140 ألف مبنى، وإنارة 3500 متر من الشوارع.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن الأمور لا تقف عند الجوانب الجمالية بل تتعداها إلى الجوانب الأخرى، كالأمن والسلامة، إذ خصصت وزارة الداخلية لجدة التاريخية 937 رجل أمن ينتشرون في أحياء وأزقة المدينة، ويحرصون على تأمين الحماية اللازمة للممتلكات والزوار، يضاف إلى ذلك توزيع كاميرات مراقبة في أرجاء المدينة بلغ عددها 304، لترتفع نسبة الاستجابة الأمنية إلى (250%).
اقرأ أيضاً: معرض ريستاتكس جدة العقاري 2024